عدد المحاصرين من الجيوش الإفرنسية ثمانية عشر طابورا مع العدد الكاملة ، ولأجل ذلك سميت بلدة عينتاب أخيرا (بغازي عينتاب).
ولما رأت الإنكليز تعنت القوى الملّية وتصلبهم في آرائهم ومقرراتهم وعدم الاكتراث بأي تكليف عرض عليهم أشارت إلى اليونان بطرف خفي أن تنازل القوى الملّية وتحتل ولاية إزمير وملحقاتها وتتقدم إلى الأمام وتتوغل في هذه البلاد ما شاءت ، وأمدتها بالذخائر والمؤن والأسلحة الحربية.
وكان (وه نيز يلوس) داهية اليونان يتردد بين لوندرة وباريس وينفخ في بوق الفتنة ويضرم في نار الحرب إلى أن اشتعلت ، وجهزت الدولة اليونانية الجيوش وأركبتها إلى إزمير وحشدتها أمامها ، ثم أخذت في ضرب المباني والجوامع والمساجد ، ثم أخرجت عساكرها إليها ، وهناك حصل منها من الفظائع ما يسوّد له وجه الإنسانية من قتل الرجال والنساء والأطفال والتمثيل بهم شر تمثيل ، وهرب وقتئذ من استطاع الهرب إلى القرى والجبال والمغاير والوديان ، ثم أخذوا في التوسع في ولاية إزمير والتقدم إلى الأمام.
ولما اطلع محمود كامل باشا على هذه الحوادث المؤلمة وأن الحرب قد أعلنت هناك هاجت فيه عواطف الحمية والغيرة ، فلم يستطع معها الصبر والبقاء في المستشفى ، فطلب الخروج منه والالتحاق بالأناضول ، فنصحه الأطباء على عدم الخروج ما دام في دور النقاهة ، فلم يقبل وأصر على الذهاب ، فغادر بلاد الألمان وحضر إلى الآستانة متنكرا عن طريق إيطاليا. وحيث إن الآستانة لم تزل تحت احتلال جيش الحلفاء فخشي أن تشعر به الإنكليز فتقبض عليه ثانية ، فذهب إلى دار أصحابه إلى مكان لا يلتفت إليه ، وهناك اختبأ وأخبر أخاه المقيم هناك وعائلته واجتمع بهم مدة أسبوع ، ثم جهز لوازم السفر وسافر إلى (إينه بولي) ميناء أنقرة في البحر الأسود ، فوصلها وأقام بها مدة خمسة أيام ، وبينما هو بها إذ بذلك المرض الفتاك وهو مرض القلب قد عاد إليه ، فلزم الفراش واستدعى عائلته من الآستانة لتكون عنده وتعتني في أمر تمريضه. وفي أثناء مرضه طلع من البحر رجل متنكر الاسم والهيئة ، فألقت الحكومة عليه القبض ، وبعد التحقيق والاستنطاق تبين أنه فدائي من فدائيي الأرمن كان يتتبعه ويفتش عليه في البلاد ، وبلغه أنه حضر (إلى إينه بولي) فتبعه إليها ليغتاله ، ولما انكشف أمره وأجريت محاكمته أعدم.