بالعلماء والطلاب شيوخا وشبانا من حلبيين وغيرهم. وفي الشطر الثاني من حياته كان غالب تدريسه في علم الفقه ، وكان سريع الكشف عن المسائل.
حدثني أحد ملازمي درسه قال : حضرت دروسه اثنتين وثلاثين سنة فما رأيته مرة أراد المراجعة عن مسألة فنظر في الفهرست مهما كان بعيد عهد بها ، بل كان يقلب قلبات يسيرة فيظفر بها. ونظره في أثناء قلب الأوراق متجه إلى محل المسألة من الصحيفة ، وهذا ينبئك بقوة حافظته وذاكرته.
وكان درسه تعلوه الجلالة والمهابة كأن الطير على رؤوس حاضريه. وله مع ذلك أحيانا ملح وطرف تنشيطا للأفكار ، في حين أنه قل أن تعتري السآمة والملل لأحد من حضار دروسه وذلك لما يرونه من حسن تقريره وحلاوة منطقه ، فكانت حالته داعية للانتباه وتوجه النظر لما يتدفق من درر كلماته وفائض علمه.
الكتب التي قرأها في مدارس عديدة :
ظل رحمهالله في التدريس نحو ستين سنة ، وقرأ إلى حين شيخوخته كثيرا من الكتب في فنون مختلفة. فمن مشاهير الكتب التي قام بتدريسها شرح ألفية ابن مالك في النحو للأشموني مع حاشية الصبان ، وشرح ابن عقيل عليها مع حاشية الخضري عليه ، ومغني اللبيب لابن هشام في النحو ، وقطعة من صحيح مسلم ، وقطعة من جمع الجوامع في أصول الفقه ، درس هذه الكتب في المدرسة السعيدية الواقعة في داخل جامع الصروي ، وشرح القسطلاني على صحيح البخاري ، وحاشية العلامة ابن عابدين على الدر المختار ، أكمل قراءتها ثلاث مرات كل مرة في نحو عشر سنوات ، وحضرت عليه من أواخرها إلى الآخر في قراءته له للمرة الثالثة وذلك سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وعشرين ، ثم قرأ بعدها الأشباه والنظاير لابن نجيم مع استيعاب حاشية الحموي عليه في التقرير ، حضرته عليه من الأول إلى الآخر. ثم قرأ بعده شرح الزيلعي على الكنز ، ابتدأ فيه في شوال من سنة ألف وثلاثمائة وخمس وعشرين ، حضرت عليه الجزء الأول ونصف الجزء الثاني ، وكان إلى هنا خاتمة حضوري وقراءتي عليه ، وقد وصل في هذا الكتاب إلى كتاب الصلح.
ودرس الجامع الصغير في الحديث في المدرسة الأحمدية لكنه لم يكمله ، وقد حضرت عليه معظم ما قرأه ، وقرأ غير ذلك في المدرسة العثمانية وفي جامع الحاج موسى. وبعد