وقيل : أراد أيتها العير حالكم حال السارق ، والمعنى : إن شيئا لغيركم صار عندكم ، من غير رضى الملك ، ولا علم له.
وقيل : إنّ ذلك كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه ، وفصله عنهم إليه ، وهذا بناء على أنّ بنيامين لم يعلم بدسّ الصّاع في رحله ، ولا أخبره بنفسه.
وقيل : معنى الكلام : الاستفهام ، أي : أو إنكم لسارقون ، كقوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) [الشعراء : ٢٢] والغرض ألا يعزى الكذب إلى يوسف.
فإن قيل : كيف رضي بنيامين بالقعود طوعا ، وفيه عقوق الأب بزيادة الحزن ، ووافقه على ذلك يوسف؟.
فالجواب : أنّ الحزن كان قد غلب على يعقوب بحيث لا يؤثّر فيه فقد بنيامين كل التأثير ، ألا تراه لما فقده قال : (يا أسفا على يوسف) ، ولم يعرج على بنيامين ولعلّ يوسف إنّما وافقه على القعود بوحي ، فلا اعتراض.
قوله : (وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) هذه الجملة حالية من فاعل قالوا أي : قالوا ، وقد أقبلوا ، أي: في حال إقبالهم عليهم.
(ما ذا تَفْقِدُونَ) تقدم الكلام على هذه المسألة أوّل الكتاب.
وقرأ العامة : «تفقدون» بفتح حرف المضارعة ؛ لأن المستعمل منه «فقد» ثلاثيا وقرأ السلميّ (١) بضمة من أفقدتّه إذا وجدته مفقودا كأحمدته وأبخلته ، [إذا] وجدته محمودا وبخيلا.
وضعّف أبو حاتم هذه القراءة ، ووجهها ما تقدّم.
قوله : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) «الصّواع : هو المكيال ، وهو السّقاية المتقدّمة سمّاه تارة كذا ، وتارة كذا».
وقال بعضهم : الصّواع اسم ، والسّقاية وصف ، كقولهم : كوز وسقاء ، فالكوز اسم والسّقاية : وصف.
وقيل : ذكّر ؛ لأنّه صاع ، وأنّث لأنّه سقاية (٢).
والصّواع والسّقاية : إناء له رأسان في وسطه مقبض ، كان الملك يشرب منه من الرّأس الواحدة ويكال الطّعام بالرّأس الآخر.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٦٤ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٦ والدر المصون ٤ / ١٩٩.
(٢) قال الفراء في المذكر والمؤنث في : الصاع : يؤنثه أهل الحجاز وأهل نجد يذكرونه ، وربّما أنثه بعض بني أسد ٩٦ ، وقال ابن جني في المذكر والمؤنث : الصاع : يذكر ويؤنث ٧٥ ، وينظر : المذكر والمؤنث لابن الأنباري ٣٥٦.