وقرأ أبي (١) : من رحمة الله ، و «عند الله» : «من فضل الله» تفسير لا تلاوة.
وقال أبو البقاء (٢) : «والجمهور على فتح الرّاء ، وهو مصدر في معنى الرّحمة إلا أنّ استعمال الفعل منه قليل ، وإنّما يستعمل بالزّيادة ، مثل أراح ، وروّح ، ويقرأ بضمّ الرّاء ، وهي لغة فيه ، وقيل : هو اسم للمصدر ، مثل الشّرب والشّرب».
ثم قال : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) قال ابن عبّاس : إن المؤمن من الله على خير يرجوه في البلاء ، ويحمده في الرّخاء (٣). واعلم أنّ اليأس من رحمة الله لا يحصل إلّا إذا اعتقد الإنسان أنّ إله العالم غير قادر على الكمال ، أو غير عالم بجميع المعلومات ، أو ليس بكريم ، بل هو بخيل ، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر ، والمعنى : أنّ اليأس لا يحصّل إلّا لمن كان كافرا ، والله أعلم.
فصل
روي عن عبد الله بن يزيد بن أبي فروة : أنّ يعقوب كتب كتابا إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين حبس بنيامين :
«من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى ملك مصر ، أما بعد :
فإنا أهل بيت ، وكل بنا البلاء ، أما جدّي إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فشدّت يداه ، ورجلاه ، وألقي في النّار ؛ فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وأمّا أبي فشدّت يداه ورجلاه ، ووضع السّكين على قفاه ؛ ففداه الله ، وأمّا أنا فكان لي ابن ، وكان أحبّ أولادي إليّ ؛ فذهب به إخوته إلى البرّية ، ثم أتوني بقميصه ملطّخا بالدّم ، فقالوا : أكله الذّئب ؛ فذهبت عيناي ، ثمّ كان لي ابن ، وكان أخاه من أمه ، وكنت أتسلى به ، وإنّك حبسته ، وزعمت أنّه سرق ، وإنّا أهل بيت لا نسرق ، ولا نلد سارقا ، فإن رددته عليّ ، وإلّا دعوت عليك دعوة تدرك السّابع من ولدك» (٤).
فلما قرأ يوسف لم يتمالك البكاء ، [وعيل](٥) صبره ، وأظهر نفسه على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب (٦) : في الآية سؤالات :
__________________
ـ (٥٤٠) ، والبحر المحيط ٥ / ٣٣٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٧٥ ، الجمهرة ١٠٠ ، والكامل ١ / ٢٦٧ ، والعقد الفريد ٥ / ٣٣٢ ، والدر المصون ٤ / ٢١١.
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٧٥ والبحر المحيط ٥ / ٣٣٤ والدر المصون ٤ / ٢١١.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٨.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٥٩).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦).
(٥) في ب : وعجز.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٥٩.