الأول : أنّ بلوغ يعقوب في محبة يوسف إلى هذا الحدّ العظيم لا يليق إلا لمن كان غافلا عن الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّ من عرف الله ؛ أحبه ، ومن أحبّ الله لم يتفرغ قلبه بحب شيء سوى الله ـ تعالى ـ وأيضا : القلب الواحد لا يسع الحب المستغرق لشيئين ، فلمّا كان قلبه مستغرقا في حبّ ولده ؛ امتنع أن يقال : إنّه كان مستغرقا في حبّ الله ـ تعالى ـ؟.
السؤال الثّاني : أنّه عند استيلاء الحزن الشّديد عليه ؛ كان من الواجب عليه أن يشتغل بذكر الله ـ تعالى ـ والتفويض ، والتّسليم لقضائه.
وأما قوله : (يا أسفى على يوسف) ، فذلك لا يليق بأهل الدّين والعلم فضلا عن أكابر الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين؟.
السؤال الثالث : لا شكّ أن يعقوب عليه الصلاة والسلام ـ كان من أكابر الأنبياء وكان أبوه ، وجده ، وعمه كلهم من أكابر الأنبياء المشهورين في جميع الأنبياء ومن كان كذلك ، ثم وقعت له واقعة هائلة في أعزّ أولاده ، لم تبق تلك الواقعة خفيّة ، بل لا بدّ ، وأن تبلغ في الشّهرة إلى حيث يعرفها كل أحد ، لا سيما ، وقد انقضت المدّة الطويلة فيها ، وبقي يعقوب على حزنه الشديد ، وأسفه العظيم ، وكان يوسف في مصر ، وكان يعقوب في بعض [بوادي](١) الشّام قريبا من مصر ، فمع قرب المسافة يمتنع بقاء هذه الواقعة خفية.
السؤال الرابع : لم لم يبعث يوسف إلى يعقوب ويعلمه أنّه في الحياة ـ صلاة الله عليهما ـ وفي السّلامة ولا يقال : إنه كان يخاف إخوته ؛ لأنه بعد أن صار ملكا قاهرا يمكنه إرسال الرسول إليه ، وإخوته ما كانوا يقدرون على دفع رسوله؟.
السؤال الخامس : كيف جاز ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يضع الصّواع في وعاء أخيه ، ثم يستخرجه ويلصق به تهمة السرقة مع أنّه كان بريئا عنها.
السؤال السادس : كيف رغب في إلصاق هذه التّهمة له ، وحبسه عند نفسه مع أنّه كان يعلم أنه يزداد حزن أبيه ويقوى؟.
والجواب عن الأول : أنّ مع مثل هذه المحبة الشّديدة يكون كثير الرّجوع إلى الله ـ تعالى ـ كثير الاشتغال بالدّعاء ، والتضرّع ، وذلك يكون سببا لكمال الاستغراق وعن الثاني : أنّ الداعية الإنسانية لا تزول في الحياة العاجلة ، فتارة كان يقول (يا أسفى على يوسف) وتارة كان يقول : (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) وأما بقية الأسئلة ، فالقاضي أجاب عنها فقال : هذه الوقائع الّتي نقلت إلينا إمّا أن يمكن تخريجها على الأحوال المعتادة أو لا يمكن ، فإن كان الأوّل ، فلا إشكال وإن كان الثاني فنقول : كان الزّمان زمان الأنبياء ، وخرق العادة في ذلك الزمان غير مستبعد ، فلم يمتنع أن يقال : إنّ
__________________
(١) في ب : بلاد.