ونقل أبو البقاء (١) : «أنه قرىء مشدّدا مبنيّا للفاعل ، وأوله : بأن الرسل ظنّوا أن الأمم قد كذبوهم».
وقال الزمخشري (٢) بعد ما حكى قراءة المبني للفاعل : «ولو قرىء بها مشددة لكان معناه: وظن الرسل أن قومهم قد كذّبوهم فيما وعدوهم» فلم يحفظها قراة ، وهي غريبة ، وكان قد جوّز في القراءة المتقدمة : أن الضّمائر كلّها تعود على الرّسل ، وأن يعود الأول على المرسل إليهم وما بعده على الرسل ، فقال : «وقرأ مجاهد : «كذبوا» بالتخفيف على البناء للفاعل ، على : وظنّ الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدّثوا به قومهم من النّصرة : إمّا على تأويل ابن عبّاس ، وإمّا على أنّ قومهم إذا لم يروا لموعدهم أثرا ، قالوا لهم : قد كذبتمونا ، فيكونون كاذبين عند قومهم ، أي : وظنّ المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا».
وقوله «جاءهم» : جواب الشّرط ، وتقدّم الكلام في «حتّى» هذه ما هي؟. أي : لمّا بلغ الحال إلى الحدّ المذكور ؛ جاءهم نصرنا.
فإن قيل : لم يجر ذكر المرسل إليهم فيما سبق ، فكيف يحسن عود الضّمير إليهم؟.
فالجواب : ذكر الرسل يدلّ على ذكر المرسل إليهم ، أو يقول : إن ذكرهم جرى في قولهم : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ويكون الضمير عائدا على الذين من قبلهم (٣) ، من مكذّبي الرسل.
قوله (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) قرأ عاصم ، وابن عامر بنون واحدة ، وجيم مشددة ، وياء مفتوحة ؛ على أنّه فعل ماض مبنيّ للمفعول ، و «من» : قائمة مقام الفاعل ، والباقون بنونين (٤) ثانيتهما ساكنة والجيم خفيفة ، والياء الساكنة على أنه مضارع أنجى ، و «من» مفعولة ، والفاعل ضمير المتكلم المعظم نفسه على الاستقبال ، على معنى : فنفعل بهم ذلك ، وهذه حكاية حال ، ألا ترى أنّ القصّة فيما مضى ، وإنّما حكى الحال ؛ كقوله تعالى (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] إشارة إلى الحاضر ، والقصّة ماضية.
وقرأ الحسن ، والجحدريّ ، ومجاهد (٥) في آخرين كقراءة عاصم ، إلا أنّهم سكّنوا الياء ، والأجود في تخريجها ما تقدّم ، وسكّنت الياء تخفيفا ، كقراءة : (تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة : ٨٩] وقد سكّن الماضي الصّحيح ، فكيف بالمعتلّ؟
كقوله : [مجزوء الرمل]
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٩.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥١٠.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : الحجة ٤ / ٤٤٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٧ وحجة القراءات ٣٦٧ ، ٣٦٧ والإتحاف ٢ / ١٥٧ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ والبحر المحيط ٥ / ٣٤٨ والدر المصون ٤ / ٢٢٠.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٨ والدر المصون ٤ / ٢٢٠.