فكيف اعترضوا؟ وكيف زيّفوا طريقته وطعنوا في فعله؟ وإن كانوا مكذّبين بنبوته ، غير مقرّين بكونه رسولا حقّا من عند الله ، فهذا موجب تكفيرهم؟.
والجواب : أنّهم كانوا مؤمنين بنبوّة أبيهم ، مقرين بكونه رسولا حقّا من عند الله ، إلّا أنّهم لعلّهم جوّزوا من الأنبياء أن يفعلوا أفعالا مخصوصة بمجرد اجتهادهم ، ثم إنّ الاجتهاد أدّى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد ؛ وذلك لأنّهم كانوا يقولون : هما صبيان ما بلغا العقل الكامل ، ونحن متقدّمون عليهما في السنّ ، والعقل ، والكفاية ، والمنفعة ، وكثرة الخدمة ، والقيام بالمهمات ، فإصراره على تقديم يوسف علينا ، يخالف هذا الدّليل ، وأما يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلعله كان يقول : زيادة المحبّة ليست في الوسع والطّاقة ، فليس لله عليّ فيه تكليف ، وأما تخصيصهما بمزيد البرّ ، فيحتمل أنه كان لوجوه :
أحدها : أن أمّهما ماتت وهم صغار.
وثانيهما : أنه كان يرى فيه من آثار الرّشد ، والنّجابة ما لم يجد في سائر الأولاد ، والحاصل: أن هذه المسألة كانت اجتهاديّة ، وكانت بميل النّفس ، وموجبات الفطرة ، فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحد الخصمين في دين الآخر ، أو في عرضه.
السؤال الثالث : أنهم نسبوا أباهم إلى الضّلال المبين ، وذلك مبالغة في الذمّ والطّعن ، ومن بالغ في الطّعن في الرسول كفر ، لا سيّما إذا كان الطّاعن ابنا ؛ فإن حقّ الأبوّة يوجب مزيد التّعظيم.
والجواب : المراد من الضلال : غير رعاية مصالح الدّين ، لا البعد عن طريق الرّشد ، والصواب.
السؤال الرابع : أن قولهم : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) محض الحسد ، والحسد من أمهات الكبائر ، لا سيّما وقد أقدموا بسبب ذلك الحسد على تضييع ذلك الأخ الصالح ، وإلقائه في ذلّ العبوديّة ، وتبعيده عن الأب المشفق ، وألقوا أباهم في الحزن الدائم ، والأسف العظيم ، وأقدموا على الكذب ، وأتوا بهذه الخصال المذمومة وكل ذلك يقدح في العصمة.
والجواب : أن المعتبر عصمة الأنبياء في وقت حصول النّبوّة ، فأمّا قبلها فذلك غير واجب».
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) الآية.
في نصب «أرضا» ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون منصوبة على إسقاط الخافض تخفيفا ، أي : في أرض ؛ كقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] ، وقول الشاعر : [الكامل]