البيت ، فذهبت كذا وكذا ـ وقال آخرون : كانت مجتمعة عند بيت المقدس ، فقال لها : اذهبي كذا ، وكذا.
قال ابن الخطيب (١) : وهذا القول إنّما يتمّ إذا قلنا : الأرض مسطحة لا كرة وأصحاب هذا القول ، احتجوا عليه بقوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] وهو مشكل من وجهين :
الأول : أنّه ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة ، فإن قالوا : قوله تعالى : مد الأرض ينافي كونها كرة.
قلنا : لا نسلم ؛ لأنّ الأرض جسم عظيم ، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسّطح ، والتّفاوت الحاصل بينه ، وبين السّطح ، لا يحصل إلّا في علم الله ـ تبارك وتعالى ـ إلا في قوله تعالى (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النبأ : ٧] مع أن العالم من النّاس يستقرّون عليه ، فكذلك هنا.
والثاني : أنّ هذه الآية إنّما ذكرت ليستدلّ على وجود الصّانع ؛ والشرط فيه أن يكون ذلك أمرا مشاهدا معلوما ، حتى يصح الاستدلال به على وجود الصانع لأنّ الشيء إذا رأيت حجمه ، ومقداره ، صار ذلك الحجم ، وذلك المقدار عبرة ؛ فثبت أنّ قوله : (مَدَّ الْأَرْضَ) إشارة إلى أنه ـ تعالى ـ هو الذي جعل الأرض مختصة بمقدار معيّن لا يزيد ولا ينقص ، والدليل عليه أن كون الأرض أزيد مقدارا ممّا هو الآن ، وأنقص منه أمر جائز ممكن في نفسه ، فاختصاصه بذلك المقدار المعيّن لا بدّ وأن يكون بتخصيص مخصّص ، وتقدير مقدّر.
قوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) وهي الجبال الثّوابت ، وقاعدة هذا الوصف لا تطّرد إلا في الإناث إلا أن المكسر مما لا يعقل يجري مجرى جمع الإناث ، وأيضا كثرة استعماله كالجوامد ، فجمع حائط حوائط ، وكاهل كواهل. وقيل : هو جمع راسية ، والهاء للمبالغة ، والرسوّ : الثبوت ، قال الشاعر : [الطويل]
٣١٦٤ ـ به خالدات ما يرمن وهامد |
|
وأشعث أرسته الوليدة بالفهر (٢) |
فصل
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : كان أبو قبيس أوّل جبل وضع على وجه الأرض (٣).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤.
(٢) البيت للأحوص ينظر : ديوانه ١٦٩ ومجاز القرآن ١ / ٣٢١ والبحر ٤ / ٣٥٥ واللسان (رسا) والطبري ١٦ / ٣٢٨ والدر المصون ٤ / ٢٢٥.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٨٢) عن عطاء وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.