الغائصة في الأرض ، وهذا من العجائب ؛ لأنّ طبيعة تلك الحبّة واحدة وتأثير الطبائع ، والأفلاك ، والكواكب فيها واحد ، ثم إنه يخرج من الجانب الأعلى من تلك الحبّة جرم صاعد إلى الهواء ، ومن الجانب الأسفل جرم غائص في الأرض ، ومن المحال أن يتولّد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضادتان ، فعلمنا أنّ ذلك إنّما كان بتدبير المدبّر العليم الحكيم لا بسبب الطّبع ، والخاصة ، ثم إنّ الشجرة النّامية في تلك الجهة بعضها يكون خشبا ، وبعضها يكون نورا ، وبعضها يكون ثمرة ، ثم إن تلك الثمرة أيضا يحصل فيها أجسام مختلفة الطّبائع مثل الجوز ففيه أربعة أنواع من القشور ، فالقشرة الأعلى ، وتحته القشرة الخشبية ، وتحته القشرة المحيطة باللبّ ، وتحت تلك القشرة قشرة أخرى في غاية الرّقة تمتاز عمّا فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا وأيضا : فقد يحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالأترج قشره حارّ يابس ولحمه حارّ رطب ، وحامضه بارد يابس وبذره حار يابس ، وكذلك العنب قشره وعجمه باردان يابسان ولحمه وماؤه حارّان رطبان ؛ فثبت أنّ هذه الطّبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع ، وتأثيرات الأنجم ، والأفلاك ـ على زعم من يدعيه ـ لا بد وأن يكون بتدبير العليم القدير.
فإن قيل : الزّوجان لا بدّ وأن يكونا اثنين ، فما الفائدة في قوله : «زوجين اثنين»؟.
فالجواب : أنه ـ تعالى ـ أوّل ما خلق العالم ، وخلق فيه الأشجار ، خلق من كل نوع من الأنواع اثنين فقط ، فلو قال : «زوجين» لم يعلم أنّ المراد النوع ، أو الشخص فلما قال : «اثنين» علمنا أنه ـ تعالى ـ أوّل ما خلق من كل زوجين اثنين [لا أقل ولا أزيد ، والحاصل أن الناس فيهم الآن كثرة ، إلا أنهم ابتدءوا من زوجين اثنين](١) بالشّخص وهما : آدم وحواء ـ عليهماالسلام ـ وكذلك القول في جميع الأشجار ، والزروع ، والله أعلم.
النوع الرابع : الاستدلال بأحوال الليل ، والنهار ، وإليه الإشارة بقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) وقد سبق الكلام فيه فأغنى عن الإعادة.
ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيستدلون ، والتّفكر : تصرف القلب في طلب المعاني.
قوله : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) العامة على رفع : «قطع» «وجنّات» إمّا على الابتداء ، وإما على الفاعلية بالجار قبله.
وقرىء «قطعا متجاورات» (٢) بالنصب ، وكذلك هي في بعض المصاحف على إضمار جعل. وقرأ الحسن (٣) : «وجنّات» بكسر التّاء وفيها أوجه :
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥١٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٥٦ والدر المصون ٤ / ٢٢٥.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٩٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٥٦ والدر المصون ٤ / ٢٢٥.