أجمعين ـ قرءوا بالاستفهام في الأول ، والثاني ، ولم يخالف أحد منهم أصله.
قال شهاب الدين (١) : «وإنما ذكرت هذين الطريقين لعسرهما ، وصعوبة استخراجهما من كتب القراءات.
فأمّا وجه قراءة من استفهم في الأوّل ، والثاني ؛ فقصد المبالغة في الإنكار ، فأتى به في الجملة الأولى ، وأعاده في الثانية تأكيدا له ، ووجه من أتى به مرة واحدة : حصول المقصود به ؛ لأنّ كل جملة مرتبطة بالأخرى ، فإذا أنكر في إحداهما حصل الإنكار في الأخرى ، وأمّا من خالف أصله في شيء من ذلك ، فلاتباع الأثر».
فصل
هذا الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعناه : أنّك تعجب من إنكارهم النّشأة الأخرى مع إقرارهم بابتداء الخلق ، فعجب أمرهم ، وكان المشركون ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله ـ عزوجل ـ وقد تقرّر في القلوب أنّ الإعادة أهون من الابتداء ، فهذا موضع العجب.
ثم قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) وهذا يدلّ على أنّ من أنكر البعث والقيامة فهو كافر ، وإنما لزم من إنكار البعث الكفر بالله تعالى ؛ لأنّ إنكار البعث لا يتمّ إلا بإنكار القدرة ، والعلم ، والصدق ، أما إنكار القدرة فكقوله : الله غير قادر على الإعادة ، وأما إنكار العلم فكقوله : الله غير عالم بالجزئيات ، فلا يمكنه تمييز المطيع عن العاصي ، وأمّا إنكار الصّدق فكقولهم : إنّه أخبر عنه ، ولكنه لا يفعل ؛ لأنّ الكذب جائز عليه ، وكل ذلك كفر بالله ـ تعالى ـ.
ثم قال : (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) قال الأصمّ : المراد بالأغلال : كفرهم وذلهم ، وانقيادهم للأصنام ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) [يس : ٨٠] ؛ وقال الشاعر : [البسيط]
٣١٦٥ ـ ........... |
|
لهم عن الرّشد أغلال وأقياد (٢) |
ويقال للرّجل : هذا غلّ في عنقك للعمل الرّديء ، معناه : أنّه [ملازم](٣) لك ، وأنت مجازى عليه بالعذاب.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٢٨.
(٢) عجز بيت وصدره : كيف الرشاد وقد خلفت في نفر. ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٥٩ والألوسي ١٣ / ١٠٥ والرازي ١٩ / ١٠ والكشاف ٢ / ٥١٣.
وروي صدره :
ضلوا وإن سبيل الغيّ مقصدهم
(٣) في أ : لازم.