وقال المخالف : لو كانت الحامل تحيض مكان ما تراه المرأة من الدّم حيضا ، لما صحّ استبراء الأمة بحيضه ، وهذا بالإجماع.
السابع : أن دم الحيض فضلة تجتمع في [بطن](١) المرأة ، فإذا امتلأت عروقها من تلك الفضلات ؛ فاضت ، وخرجت ، وسالت من دواخل (٢) تلك العروق ، ثم إذا سالت تلك المواد ، امتلأت تلك العروق مرّة أخرى.
هذا كلّه إذا قلنا : إن «ما» موصولة.
فإذا قلنا : إنّها مصدرية : فالمعنى أنّه ـ تعالى ـ يعلم حمل كلّ شيء ، ويعلم غيض الأرحام ، وازديادها لا يخفى عليه شيء من ذلك ، ولا من أوقاته ، وأحواله.
ثم قال : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) يحتمل أن يكون المراد بالعنديّة : العلم ومعناه : أنّه تعالى يعلم كمية كل شيء ، وكيفيته على الوجه المفصل المبين ومتى كان الأمر كذلك امتنع وقوع التغيير في تلك المعلومات ، ويحتمل أن يكون المراد من العنديّة أنه ـ تعالى ـ خصّص كل حادث بوقت معين ، وحال معينة بمشيئته الأزليّة وإرادته السرمدية.
وعند حكماء الإسلام : أنه ـ تعالى ـ وضع أشياء كلّيّة ، وأودع فيها قوى ، وخواصّ ، وحركها بحيث يلزم من حركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة أحوال جزئية متعينة ومناسبات مخصوصة [مقدرة](٣) ، ويدخل في هذه الآية أفعال العباد ، وأحوالهم ، وخواطرهم ، وهي من أدلّ الدّلائل على بطلان قول المعتزلة.
قوله : «عنده» يجوز أن يكون مجرور المحل صفة ل «شيء» ، أو مرفوعه صفة ل «كلّ» ، أو منصوبة ظرفا لقوله : «بمقدار» ، أو ظرفا للاستقرار الذي تعلق به الجار لوقوعه خبرا.
قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ) يجوز أن يكون مبتدأ ، وخبره : «الكبير المتعال» ، وأن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : هو عالم.
وقرأ زيد بن (٤) علي «عالم» نصبا على المدح.
ووقف ابن كثير ، وأبو عمرو (٥) في رواية على ياء «المتعال» وصلا ووقفا ، وهذا هو الأشهر في لسانهم ، وحذفها الباقون وصلا ووقفا لحذفها في الرّسم.
واستسهل سيبويه (٦) حذفها في الفواصل ، والقوافي ، ولأنّ «أل» تعاقب التنوين ، فحذفت معها إجراء لها مجراها.
__________________
(١) في ب : بدن.
(٢) في أ : فتجف.
(٣) في ب : متعددة.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٦٢ والدر المصون ٤ / ٢٣٠.
(٥) ينظر : السبعة ٣٥٨ والحجة ٥ / ١٣ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٢٥ وحجة القراءات ٣٧٢ والإتحاف ٢ / ١٦١ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٩٨ والبحر المحيط ٥ / ٣٦٢ والدر المصون ٤ / ٢٣٠.
(٦) ينظر : الكتاب ٢ / ٢٨٩.