وقيل : المراد من الوفاء بالعهد : أن لا يغدر فيه ، قال عليه أفضل الصلاة والسلام : «من عاهد الله فغدر كان فيه خصلة من النّفاق» (١).
القيد الثالث : قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).
قيل : أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ، و : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].
وقال الأكثرون : المراد صلة الرّحم.
فإن قيل : الوفاء بالعهد ، وترك نقض الميثاق اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات ، والاحتراز عن كل المنهيات. فما الفائدة في ذكر هذه القيود بعدهما؟
فالجواب من وجهين :
[الأول](٢) : ذكر ذلك لئلا يظنّ ظانّ أنّ ذلك ، فيما بينه ، وبين ربه ، فلا جرم أفرد ما بينه ، وبين العباد ، بالذكر.
والثاني : أنه تأكيد ، وفي [تفسير](٣) هذه الصّلة وجوه :
أحدها : صلة الرّحم ، قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حاكيا عن ربّه ـ عزوجل ـ أنا الرّحمن ، وهي الرّحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطها [قطعته](٤) قال تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢].
وقال صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة يأتين يوم القيامة لها ذلق : تأتي الرّحم تقول : أي ربّ قطعت ، والأمانة تقول : أي ربّ تركت ، والنّعمة تقول : أي ربّ كفرت» (٥).
وثانيها : المراد صلة محمد صلىاللهعليهوسلم ومؤازرته ونصرته في الجهاد.
وثالثا : رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد ، فيدخل فيه صلة الرّحم ، وأخوة الإيمان قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] ويدخل في هذه الصلة أيضا إمدادهم بالخيرات ، ودفع الآفات بقدر الإمكان ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، وإفشاء السلام والتبسم في وجوههم ، وكف الأذى عنهم ، ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة ، والدجاجة.
القيد الرابع : قوله : «ويخشون ربّهم» معناه : أنّ العبد ، وإن قام بكلّ ما جاء عليه
__________________
(١) هو جزء من حديث أربع من كن فيه كان منافقا خالصا.
وأخرجه البخاري (١ / ١١١) كتاب الإيمان : باب علامة المنافق (٣٤) وفي (٥ / ١٢٨) كتاب المظالم : باب إذا خاصم فاجر (٢٤٥٩) وفي ٦ / ٣٢٢ كتاب الجزية : باب إثم من عاهد ثم غدر (٣١٧٨) ومسلم ١ / ٧٨ كتاب الإيمان (١٠٦ / ٥٨).
(٢) في ب : أحدهما.
(٣) في ب : نفس.
(٤) في أ : بتته.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٣٣).