وقيل : تقديره لما آمنوا.
ونقل عن الفراء (١) : جواب «لو» هي الجملة من قوله (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) وفي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض ، وتقدير الكلام : وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآنا سيرت به الجبال كأنه قيل : لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم الموتى به لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم ، كقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) [الأنعام : ١١١] وهذا في الحقيقة دال على الجواب.
وإنما حذفت التاء في قوله (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) وثبتت في الفعلين قبله ؛ لأنه من باب التغليب ، لأن الموتى تشمل المذكر والمؤنث.
ثم قال (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وليس لأحد عليه اعتراض.
قوله (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أصل اليأس : قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه ، واختلف الناس فيه ههنا ، فقال بعضهم هو هنا على بابه ، والمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش ، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هذه الآيات ليؤمن الكفار ، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال : أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار ، أي : ييأس من إيمانهم قاله الكسائي.
وقال الفراء (٢) : «أوقع الله للمؤمنين أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فقال : أفلم ييأسوا علما» يقول : يؤيسهم العلم ، فكان فيهم العلم مضمرا كما تقول في الكلام : «يئست منك أن لا تفلح» كأنه قال : علمه علما ، قال : فيئست بمعنى علمت ، وإن لم يكن سمع فإنه يتوجه لذلك بالتأويل».
وقال ابن عطية (٣) : ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه وذلك لأنه لما أبعد إيمانهم في قوله ـ عزوجل ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ) على [التأويلين](٤) في المحذوف المقدر ، قال في هذه الآية (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) المؤمنون من إيمان هؤلاء علما منهم (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).
وقال الزمخشري (٥) : «ويجوز أن يتعلق (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) ب «آمنوا» على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولهداهم».
وهذا قد سبقه إليه أبو العباس ـ رضي الله عنه ـ.
وقال أبو حيان (٦) : ويحتمل عندي وجه آخر غير الذي ذكروه ، وهو : أن الكلام تام
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٦٣.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٦٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٣.
(٤) في ب : التأويل.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣١.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٨٣.