قوله : (إِذْ أَنْجاكُمْ) يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون منصوبا ب «نعمة».
الثاني : أن يكون منصوبا ب «عليكم» ، ويوضح ذلك ما ذكره الزمخشري رحمهالله فإنه قال (١) : «إذ أنجاكم» ظرف للنعمة بمعنى الإنعام ، أي : إنعامه عليكم ذلك الوقت.
فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب ب «عليكم»؟.
قلت : «لا يخلو إما أن يكون [إنعامه](٢) صلة للنعمة بمعنى الإنعام [أو غير](٣) صلة ، إذا أردت بالنعمة العطية ، فإذا كان صلة لم يعمل فيه ، وإذا كان غير صلة بمعنى اذكروا نعمة الله مستقرة عليكم عمل فيه ، ويتبين الفرق بين الوجهين ، أنّك إذا قلت : نعمة الله عليكم ، فإن جعلته صلة لم يكن كلاما حتى تقول فائضة أو نحوها وإلا كان كلاما».
الثالث : أنه بدل من نعمة أي : اذكروا وقت إنجائكم ، وهو بدل اشتمال ، وتقدم الكلام في «يسومونكم».
قوله : «ويذبحون» حال أخرى من آل فرعون ، وفي البقرة دون «واو» لأن قصد التفسير لسؤال العذاب ، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو ، تقول : أتاني القوم : زيد وعمرو ، وذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ) [الفرقان : ٦٨ ، ٦٩] لما فسر الآثام بمضاعفة العذاب حذف الواو ، وهاهنا أدخل الواو بمعنى أنهم يعذبونهم بالتذبيح وبغيره ، فالسوم هنا غير السوم هناك.
وقرأ ابن محيصن «يذبحون» مخففا ، و (يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يتركونهن أحياء ، «وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم» ، وفي كونه بلاء وجهان :
الأول : أن تمكين الله إياهم من ذلك الفعل بلاء من الله.
والثاني : أن ذلك إشارة إلى الإنجاء ، وهو بلاء عظيم ، والبلاء هو الابتلاء ، وذلك قد يكون بالنعمة تارة ، وبالمحنة أخرى ، قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] وهذا أولى لأنه موافق لأول الآية وهو قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ، قاله ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ.
قوله : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) يجوز أن يكون نسقا على : (إِذْ أَنْجاكُمْ) ، وأن يكون منصوبا ب «اذكروا» مفعولا لا ظرفا.
وجوّز فيه الزمخشري : أن يكون نسقا على : «نعمة» فهو من قول موسى ، والتقدير وإذ قال موسى اذكروا نعمة الله ، واذكروا حين تأذن ، وقد تقدّم نظير ذلك في الأعراف (٤).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٠.
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ب : أو لا يكون.
(٤) آية (١٤١).