وقتادة ، وذلك أنهم لما أيسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ، ودعوا على قومهم بالعذاب ، كما قال نوح ـ صلوات الله عليه ـ : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦].
وإن قلنا : المستفتحون الكفرة كان المعنى أن الكفار استفتحوا على الرسل ظنّا منهم أنهم على الحق والرسل على الباطل ، وذلك أنهم قالوا : «اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا» نظيره : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢]. «وخاب» ما أفلح. وقيل : خسر. وقيل : هلك كل جبّار عنيد. والجبّار الذي لا يرى فوقه أحدا ، والجبرية طلب العلوّ بما لا غاية وراءه ، وهذا الوصف لا يكون إلا لله ـ عزوجل ـ.
وقيل : الجبّار الذي يجبر الخلق على مراده ، والجبّار هنا : المتكبر على طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وعبادته ، ومنه قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) [مريم : ١٤].
قال أبو عبيدة : «الأجبر يقال فيه جبريّة ، وجبروّة ، وجبروت».
وحكى الزجاج : «الجبر ، والجبرية ، والجبّارة ، والجبرياء».
قال الواحديّ : «فهذه سبع لغات في مصدر الجبّار ، ومنه الحديث : أن امرأة حضرت النبي صلىاللهعليهوسلم فأمرها بأمر فأبت عليه ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «دعوها فإنّها جبّارة» أي: مستكبرة» (١) ، وأمّا العنيد فقال أهل اللغة في اشتقاقه :
قال البصريون : أصل العنود : الخلاف ، والتباعد ، والترك.
وقال غيرهم : أصله من العند وهو النّاحية ، يقال : هو يمشي عندا ، أي : ناحية فهو المعاند للحق بجانبه ، قاله مجاهد (٢).
وقال ابن عبّاس رضي الله عنه : هو المعرض عن الحق (٣). وقال مقاتل : هو المتكبّر (٤) وقال قتادة : العنيد الذي أبى أن يقال : لا إله إلّا الله (٥).
ثم ذكر كيفية عذابه فقال : (مِنْ وَرائِهِ) جملة في محلّ جر صفة ل «جبّار» ويجوز أن تكون الصفة وحدها الجار ، و «جهنم» فاعل به.
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٢٩١) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١ / ١٠٤) وقال : رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى وفيه يحيى الحماني ضعفه أحمد ورماه بالكذب.
وذكره أيضا الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (٣ / ١٨٩) ، رقم (٣٢١٥) وعزاه إلى أبي يعلى.
والحديث في «كنز العمال» (٤٥١٠٢) وعزاه إلى أبي يعلى عن أنس والشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٢٩).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٢٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٣٧) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.