(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) ، وذلك يفيد أنّ من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه ، وقوله ـ تبارك وتعالى ـ لنوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦].
وخامسها : لعلّه ، وإن كان عمّ في الدعاء إلّا أنّه ـ تعالى ـ أجاب دعاءه في حق البعض دون البعض ، وذلك لا يوجب تحقير الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ونظيره قوله تعالى في حق إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤].
قوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) دليل على أن الكفر ، والإيمان من الله ـ تعالى ـ لأنّ إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ طلب من الله ـ تعالى ـ أن يجنبه ، ويجنب أولاده من الكفر.
والمعتزلة يحملون ذلك على الإلطاف ، وهو عدول عن الظّاهر ، وتقدم فساد هذا التأويل.
قوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) الضمير في : «إنّهنّ» و «أضللن» عائد على الأصنام ، لأنها جمع تكسير غير عاقل.
وقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي : من أشياعي ، وأهل ديني.
وقوله : (وَمَنْ عَصانِي) شرط ، ومحل «من» الرفع بالابتداء ، والجواب : (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والعائد محذوف ، أي : له.
فصل
قال السديّ : ومن عصاني ثمّ تاب (١). وقال مقاتل : (وَمَنْ عَصانِي) فيما دون الشرك (٢).
وقيل : قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنّه لا يغفر الشرك ، وهذه الآية تدلّ على إثبات الشّفاعة في أهل الكبائر ؛ لأنّه طلب المغفرة ، والرّحمة لأولئك العصاة ، ولا تخلو هذه الشفاعة من أن تكون للكفار [أو للعصاة ، ولا يجوز أن تكون للكفار](٣) ؛ لأنه تبرّأ منهم بقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ).
وقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) فإنه يدلّ بمفهومه على أنّ من لم يتبعه على دينه ، فليس منه ، والأمة مجتمعة على أنّ الشفاعة في حق الكفّار غير جائزة ؛ فثبت أن قوله : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) شفاعة في العصاة غير الكفّار.
وتلك المعصية : إمّا أن تكون من الصغائر ، أو من الكبائر بعد التّوبة [أو من الكبائر
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٣٧).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) سقط من ب.