وهذا إنما يتأتى على قول الفارسي رحمهالله تعالى فإنه يجيز أن تكون الصفة المشبهة من الفعل المتعدي بشرط أمن اللبس ، نحو : زيد ظالم العبيد ، إذا علم أنّ له عبيد ظالمين ، وأما ههنا فاللبس حاصل ، إذ الظاهر من إضافة المثل للمفعول لا الفاعل».
قال شهاب الدين (١) : «واللّبس أيضا هنا منتف ؛ لأنّ المعنى على الإسناد المجازي كما تقرر».
قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) أي : من المحافظين عليها.
واحتجّوا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ لأنّ قول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) يدلّ على أن ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله تعالى.
وقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) يدل على أن فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله تعالى.
قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) «عطف على المفعول الأول ل «اجعلني» أي : واجعل بعض ذريتي مقيم الصلاة ، وهذا الجار في الحقيقة صفة لذلك المفعول المحذوف ، أي : وبعضا من ذريتي».
وإنّما ذكر هذا التبعيض ؛ لأنه علم بإعلام الله سبحانه وتعالى أنّه يكون في ذريته جمعا من الكفار لقوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤].
قوله (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة (٢) ، وورش ، والبزي بإثبات الياء وصلا وحذفها وقفا ، والباقون بحذفها وصلا ووقفا ، وقد روى بعضهم بإثباتها وقفا أيضا.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : معناه : تقبل عملي ، وعبادتي ، سمى العبادة دعاء(٣).
قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «الدّعاء مخّ العبادة» (٤).
وقال إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم : ٤٨] وقيل : معناه : استجب دعائي.
قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) العامة على «والديّ» بالألف بعد الواو وتشديد الياء ،
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٧٦.
(٢) ينظر : اختلاف السبعة في هذه القراءة في الحجة ٥ / ٣٣ ، ٣٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٧ ، والإتحاف ٢ / ١٧١ والمحرر الوجيز ٣ / ٣٤٣ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٣ والدر المصون ٤ / ٢٧٦.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٣٩).
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٥٦) كتاب الدعاء : باب ما جاء في فضل الدعاء حديث (٣٣٧١) وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلّا من حديث ابن لهيعة.