وقيل : طلبوا الرّجوع إلى حال التّكليف لقولهم : «نجب دعوتك ونتّبع الرّسل» ، فقوله «نجب» جواب الأمر.
قوله : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ) قال الزمخشري : «على إرادة القول وفيه وجهان : أن تقولوا ذلك أشرا وبطرا ، أو تقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديدا ، وأملوا بعيدا».
و «ما لكم» جواب القسم ، وإنّما جاء بلفظ الخطاب لقوله : «أقسمتم» ، ولو جاء بلفظ المقسمين لقيل : «ما لنا».
وقدّر أبو حيّان ذلك القول هنا من قول الله ـ عزوجل ـ أو الملائكة ـ عليهمالسلام ـ أي : فيقال لهم : «أو لم تكونوا» ، وهو أظهر من الأول ، أعني : جريان القول من غيرهم لا منهم ، والمعنى : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) أراد قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) [الأنعام : ١٠٩] إلى غير ذلك ممّا كانوا ينكرونه.
قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) وأصل «سكن» التّعدي ب «في» كما في هذه الآية ، وقد يتعدى بنفسه.
قال الزمخشريّ : «السكنى من السكون الذي هو اللّبث ، والأصل تعديه ب «في» كقولك : قرّ في الدّار وأقام فيها ، ولكنّه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه ، فقيل : سكن الدّار كما قيل : تبوّأها ، وأوطنها ، ويجوز أن يكون من السّكون ، أي : قرّوا فيها واطمأنّوا».
والمعنى : وسكنتم في مساكن الذين كفروا قبلكم كقوم نوح ، وعاد ، وثمود و : (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر ؛ لأن من شاهد هذه الحال ؛ وجب عليه أن يعتبر ، وإذا لم يعتبر يستوجب الذّم والتقريع.
قوله : «وتبيّن لكم» فاعله مضمر لدلالة الكلام عليه ، أي حالهم وخبرهم وهلاكهم ، و «كيف» نصب ب «فعلنا» وجملة الاستفهام ليست معمولة ل «تبيّن» ؛ لأنه من الأفعال التي لا تعلق ، ولا جائز أن يكون : «كيف» فاعلا ؛ لأنّها إمّا شرطية ، أو استفهامية وكلاهما لا يعمل فيه ما تقدمه ، والفاعل لا يتقدّم عندنا.
وقال بعض الكوفيين : إنّ جملة : «كيف فعلنا» هو الفاعل ، وهم يجيزون أن تكون الجملة فاعلا ، وقد تقدّم هذا في قوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف : ٣٥].
والعامة على : «تبيّن» فعلا ماضيا ، وقرأ عمر (١) بن الخطاب ، والسلمي ـ رضي الله
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٢٥ ، والدر المصون ٤ / ٢٧٩.