وقال الزمخشري : فإن قلت : هلّا قيل : مخلف رسله وعده؟ ولم قدّم المفعول الثاني على الأول؟.
قلت : قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد ، ثم قال : «رسله» ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، كيف يخلف رسله؟.
وقال أبو البقاء : هو قريب من قولهم : [الرجز]
٣٢٤٤ ـ يا سارق اللّيلة أهل الدّار (١)
وأنشد بعضهم ـ نظير الآية الكريمة ـ قول الشاعر : [الطويل]
٣٢٤٥ ـ ترى الثّور فيها مدخل الظلّ رأسه |
|
وسائره باد إلى الشّمس أجمع (٢) |
والحسبان هنا : الأمر [المتيقن](٣) ، كقوله : [الطويل]
٣٢٤٦ ـ فلا تحسبن أنّي أضلّ منيّتي |
|
وكلّ امرىء كأس الحمام يذوق (٤) |
الثاني : أنه متعد لواحد ، وهو «وعده» ، وأمّا «رسله» فمنصوب بالمصدر فإنّه ينحلّ بحرف مصدريّ ، وفعل تقديره : مخلف ما وعد رسله ، ف «ما» مصدريّة لا بمعنى الذي.
وقرأت (٥) جماعة : (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) بنصب : «وعده» وجر : «رسله» فصلا بالمفعول بين المتضايفين ، وهي كقراءة ابن عامر : (قتل أولادهم شركائهم).
قال الزمخشري ـ جرأة منه ـ : «وهذه في الضعف [كقراءة](٦) (قتل أولادهم شركائهم).
ثم قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) غالب لأهل المكر ، ذو انتقام لأوليائه منهم.
قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [لما بين أنه عزيز ذو انتقام ، بين وقت انتقامه ، فقال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(٧) ويجوز في «يوم» عدة أوجه :
أحدها : أن ينتصب منصوبا ب «انتقام» أي : يقع انتقامه في ذلك اليوم.
الثاني : أن ينتصب ب «اذكر».
الثالث : أن ينتصب بما يتلخص من معنى عزيز ذو انتقام.
الرابع : أن يكون بدلا من : «يوم يأتيهم».
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ١٧٥ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٥٠ ، الخزانة ٣ / ١٠٨ ، معاني الفراء ٢ / ٨٠ ، التبيان ٢ / ٧٧٤ ، ابن يعيش ٢ / ٤٥ ، ٤٦ ، الهمع ١ / ٢٠٣ ، الدرر ١ / ١٧٢ ، الألوسي ١٣ / ٢٥٣ ، الدر المصون ٤ / ٢٨١.
(٢) تقدم.
(٣) في ب : المتبين.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٢٦ ، الدر المصون ٤ / ٢٨١.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٦٦ ، والمحرر الوجيز ٣ / ٣٤٦ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٧ والدر المصون ٤ / ٢٨١.
(٦) في أ : كمن قرأ.
(٧) سقط من ب.