جوفه ، اشتهى الطعام ؛ فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه ؛ عجلان إلى ثمار الجنّة ، فذلك قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧].
قوله تعالى : (مِنْ صَلْصالٍ) ، «من» : لابتداء الغاية ، أو للتبعيض ، والصلصال : قال أبو عبيدة (١) : هو الطين المختلط بالرمل ، ثم يجفّ ؛ فيسمع له صلصلة ، أي : تصويت ، قال : والصلصلة : الصّوت ؛ وأنشدوا : [الكامل]
٣٢٧٥ ـ شربت أساويّ القطاة من الكدر |
|
وسرت فترمي أحياؤها بصلاصل (٢) |
أراد : صوت أجنحة أفراخها ، حين تطير ، أو أصوات أفراخها.
وقال الزمخشريّ : «الطّين اليابس الذي يصلصل من غير طبخ ، فإذا طبخ ، فهو فخار».
وقال أبو الهيثم : «هو صوت اللّجام ، وما أشبهه ؛ كالقعقعة في الثوب».
وقال الزمخشري (٣) ـ أيضا ـ : قالوا : إذا توهّمت في صوته مدّا ، فهو صليل ، وإن توهمت فيه خفاء ، فهو صلصلة ، وقيل : هو من تضعيف «صلّ» ، إذا أنتن انتهى.
و «صلصال» هنا ، بمعنى مصلصل ؛ كزلزال ، بمعنى مزلزل ، ويكون «فعلال» ـ أيضا ـ مصدرا ، ويجوز كسره أيضا ، وفي وزن هذا النّوع ، أي : ما تكررت فاؤه ، وعينه خلاف.
فقيل وزنه : فعفع ؛ كرّرت الفاء والعين ، ولا لام للكلمة ؛ قاله الفراء ، وغيره. وهو غلط ؛ لأنّ أقلّ الأصول ثلاثة : فاء ، وعين ، ولام.
والثاني : أنّ وزنه «فعفل» ؛ وهو قول الفرّاء.
الثالث : أنه «فعّل» بتشديد العين ، وأسله «صلّل» فلما اجتمع ثلاثة أمثال ، أبدل الثاني من جنس فاء الكلمة ، وهو مذهب كوفيّ ، وخصّ بعضهم هذا الخلاف ، بما إذا لم يختل المعنى ، بسقوط الثالث ، نحو «لملم» و «كبكب» فإنّك تقول فيهما : «لمّ» ، و «كبّ» ، فلو لم يصحّ المعنى بسقوطه ؛ نحو : «سمسم» ، قال : فلا خلاف في أصالة الجميع.
قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ جر صفة ل «صلصال» ؛ فيتعلق بمحذوف.
والثاني : أنه بدل من «صلصال» بإعادة الجارّ. والحمأ : الطّين الأسود المنتن.
__________________
(١) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣٥٠.
(٢) البيت في المخطوط هكذا :
وتشرب أساوى القطا الكدر |
|
بعدما سرب فرمى أحياؤها بصلصل |
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٦.