وقرأ (١) العامة : بفتح النون مخففة على أنها نون الرفع ، ولم يذكر مفعول التبشير ، وقرأ نافع بكسرها ، والأصل : تبشروني فحذف الياء مجتزئا عنها بالكسرة.
وقد غلطه أبو حاتم ، وقال : هذا يكون في الشعر اضطرارا.
وقال مكي : «وقد طعن في هذه القراءة قوم لبعد مخرجها في العربيّة ؛ لأنّ حذف النون التي تصحب الياء لا يحسن إلّا في الشّعر ، وإن قدّر حذف النون الأولى حذفت [علم](٢) الرفع من غير ناصب ، ولا جازم ؛ ولأنّ نون الرفع كسرها قبيح ، إنّما حقّها الفتح».
وهذا الطعن لا يلتفت إليه ، لأنّ ياء المتكلم قد كثر حذفها مجتزءا عنها بالكسرة ، وقد قرىء بذلك في قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤] كما سيأتي بيانه إن شاء الله ـ تعالى ـ.
ووجهه : أنّه لما اجتمع نونان أحدهما نون الرفع ، والأخرى نون الوقاية استثقل اللفظ ، فمنهم من أدغم ، ومنهم من حذف ، ثم اختلف في المحذوفة ، هل هي الأولى ، أو الثانية ، وتقدّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام [الأنعام : ٨٠].
وقرأ ابن كثير (٣) بتشديدها مكسورة ، أدغم الأولى في الثانية ، وحذف ياء الإضافة ، والحسن : أثبت الياء مع تشديد النون ، ورجح قراءة من أثبت مفعول : «يبشّرون» وهو الياء.
قوله : (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) «بشّرناك» ، و «بالحقّ» متعلق بالفعل قبله ، وضعف أن يكون حالا ، أي : قالوا بشّرناك.
ومعنى : «بالحقّ» هنا استفهام بمعنى التعجّب ، كأنه قيل : بأيّ أعجوبة تبشروني؟.
فإن قيل : كيف استبعد قدرة الله ـ تعالى ـ على خلق الولد منه في زمان الكبر؟ وما فائدة هذا الاستفهام مع أنهم قد بينوا ما بشّروا به؟.
فأجاب القاضي : بأنه أراد أن يعرف أنه ـ تعالى ـ هل يعطيه الولد مع أنه يبقيه على صفة الشيخوخة ، أو يقلبه شابّا ، ثم يعطيه الولد؟.
وسبب هذا الاستفهام : أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامّة ، وإنما يحصل في حال الشّباب.
فإن قيل : فإذا كان معنى الكلام ما ذكرتم ، فلم قالوا : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ)؟.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٦٧ ، والنشر ٢ / ٣٠٢ ، والتيسير ١٣٦ ، والحجة ٣٨٣ ، والبحر ٥ / ٤٤٧ والدر المصون ٤ / ٣٠٠.
(٢) في أ : على.
(٣) ينظر : النشر ٢ / ٣٠٢ ، وإتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٧٧ ، والوسيط ٣ / ٤٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٠.