قوله : (بَلْ جِئْناكَ) إضراب عن الكلام المحذوف ، تقديره : ما جئناك بما ينكر ، (بَلْ جِئْناكَ بِما [كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ)](١).
وقد تقدّم الخلاف في قوله : «فأسر» قطعا ووصلا في هود : [٨١].
وقرأ اليماني فيما نقل ابن عطية (٢) ، وصاحب اللوامح : «فسر» من السير. وقرأت (٣) فرقة بفتح الطاء ، وقد تقدّم في يونس أنّ الكسائي (٤) ، وابن كثير قرآه بالسكون في قوله «قطعا» والباقون بالفتح.
قوله : قالت الملائكة (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) يشكون أنه نازل بهم ، وهو العذاب ؛ لأنه كان يوعدهم بالعذاب ، فلا يصدقونه ، ثمّ أكدوا ذلك بقولهم : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) قال الكلبيّ : بالعذاب ، [وقيل باليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه وهو العذاب](٥) ثم أكدوا هذا التّأكيد بقولهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ).
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) والقطع والقطع : آخر الليل ؛ قال : [الخفيف]
٣٢٨٠ ـ افتحي الباب وانظري في النّجوم |
|
كم علينا من قطع ليل بهيم (٦) |
(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) ، أي سر خلفهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لئلا ترتاعوا من أمر عظيم فأنزل بهم من العذاب.
وقيل : معناه الإسراع ، وترك الاهتمام لما خلف وراءه ، كما يقول : امض لشأنك ، ولا تعرج على شيء.
وقيل : المعنى لو بقي [منه] متاع في ذلك الموضع ، فلا يرجعن بسببه ألبتّة.
وقيل : جعل الله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوط.
(وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يعني «الشّام» (٧).
وقال المفضل : حيث يقول لكم جبريل. وقال مقاتل : يعني زغر (٨). وقيل : «الأردن».
قوله : (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) «حيث» على بابها من كونها ظرف مكان مبهم ، ولإبهامها
__________________
(١) في أ : فيه سرورك وفرحك.
(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٤٨ ، والدر المصون ٥ / ٣٠٢.
(٣) ينظر : السابق نفسه.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٥.
(٥) سقط من : ب.
(٦) البيت لعبد الرحمن بن الحكم بن العاصي وقيل لزياد الأعجم بمدح معاوية. ينظر : الرازي ١٩ / ٢٠٥ ، الكشاف ٢ / ٢٩٤ ، الألوسي ١٤ / ٦٨ ، وتفسير أبي السعود ٣ / ٣١٩ ، شواهد الكشاف ص ٥٢٨ ، والصحاح واللسان والتاج «قطع».
(٧) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٥٤) والرازي (١٩ / ١٦٠) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩١) عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٨) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٥٤).