وعن مجاهد ـ رحمهالله ـ أنّه حلّ سراويله ، وجعل يعالج ثيابه ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والحسن ، وأكثر المتقدمين ـ رضي الله عنهم ـ (١).
وقيل غير ذلك.
وقال أكثر المتأخّرين : إنّ هذا لا يليق بحال الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وقالوا : تم الكلام عند قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف فقال : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) على التّقديم ، والتّأخير ، أي : لو لا أنه رأى برهان ربّه لهم بها ، لكنه رأى البرهان ، فلم يهمّ.
قال البغويّ (٢) : «وأنكره النّحاة ، وقالوا : إنّ العرب لا تؤخّر «لو لا» عن الفعل فلا يقولون : قمت لو لا زيد ، وهي تريد : لو لا زيد لقمت».
وذكر ابن الخطيب (٣) عن الواحديّ أنه قال في البسيط : «قال المفسّرون : هم يوسف أيضا بالمرأة همّا صحيحا ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلمّا رأى البرهان من ربه ؛ زالت كلّ شهورة عنه.
قال أبو جعفر الباقر بإسناده عن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ أنه قال : طمعت فيه ، وطمع فيها».
ثمّ إنّ الواحديّ طول في كلمات عارية عن الفائدة في هذا الباب ، ولم يذكر فيما احتج به حديثا صحيحا يعوّل عليه في هذه المقالة ، وروي أنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمّا قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] قال له جبريل عليهالسلام : ولا حين هممت يا يوسف فقال عند ذلك : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي).
وقال بعض العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : الهمّ همّان :
همّ يخطر بالبال من غير أن يبرز إلى الفعل.
وهمّ يخطر بالبال ، ويبرز إلى الفعل ، فالأوّل مغفور ، والثاني : غير مغفور إلا أن يشاء الله ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، فهمّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان خطورا بالبال من غير أن يخرج إلى الفعل ، وهمّها خرج إلى الفعل بدليل أنّها (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ، (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) [يوسف : ٢٥].
ويشهد للثاني قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٨٢) عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٨).
(٢) ينظر : معالم التنزيل ٢ / ٤١٨.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٩٢.