والمقتول في النّار ، فقيل يا رسول الله : هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : لأنّه كان حريصا على قتل صاحبه» (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وقال المحققون من المفسّرين ، والمتكلّمين : إنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان بريئا من العمل الباطل ، والهمّ المحرّم ، وبه نقول ، وعنه نذبّ ، والدلائل الدّالة على وجوب عصمة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مذكورة مقرّرة ونزيد هاهنا وجوها :
الأول : أن الزّنا من منكرات الكبائر ، والخيانة في معرض الأمانة أيضا من منكرات الذّنوب وأيضا : الصبيّ إذا تربّى في حجر الإنسان ، وبقي مكفيّ المؤنة ، مصون العرض من أوّل صباه إلى زمان شبابه ، وكمال قوّته ، فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المفضل من منكرات الأعمال ، وإذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية (٣) إذا نسبوها إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت موصوفة بجميع الجهالات ، ومثل هذه المعصية إذا نسبت إلى أفسق خلق الله ، وأبعدهم من كلّ حسن ، لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسناده إلى الرّسول المؤيّد بالمعجزات الباهرة (٤) مع قوله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) وأيضا فلا يليق بحكمة الله تعالى (٥) وذلك يدلّ على أن ماهيّة السّوء ، وماهية الفحشاء مصروفة عنه ، والمعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء ، والفحشاء ، وأيضا فلا يليق بحكمة الله ـ تعالى ـ أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية ، ثم يمدحه ، ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب ما حكى عنه ذلك الذّنب العظيم ، فإنّ مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب ، وأفحش الأعمال ، ثم يذكره بالمدح العظيم ، والثناء البالغ عقيبه ، فإنّ ذلك مستنكر جدّا ، فكذا هاهنا.
وأيضا : فإن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ متى صدرت عنهم زلة ، أو هفوة ؛ استعظموا ذلك ، وأتبعوه بإظهار النّدامة ، والتوبة ، والتّواضع ، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة ، لكان من المحال أن لا يتبعها بالتّوبة ، والاستغفار ، ولو أتى بالتّوبة لحكى الله ذلك عنه كما في سائر المواضع ، وحيث لم يقع شيء من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ، ولا معصية.
وأيضا : فكلّ من كان له تعلق بهذه الواقعة ، فقد شهد ببراءة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن المعصية ، والذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف والمرأة وزوجها ، والنسوة الشهود ، ورب العالم ، وإبليس.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٢ / ١٩٩) كتاب الديات : باب قول الله (ومن أحياها) (٦٨٧٥) ومسلم (٤ / ٢٢١٣) كتاب الفتن : باب إذا تواجه المسلمان (١٤ ـ ٢٨٨٨).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٩٣.
(٣) سقط من : ب.
(٤) في ب : القاهرة.
(٥) سقط من : ب.