الأول : أنه كان ابن عمّها ، وكان رجلا حكيما ، واتّفق في ذلك الوقت أنّه كان مع زوجها ، يريد أن يدخل عليها ، فقال الحكيم : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، فأنت صادقة ، والرّجل كاذب ، (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، فالرّجل صادق ، وأنت كاذبة فلما نظروا إلى القميص رأوا الشقّ من خلفه ، قال ابن عمّها : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [أي : من عملكن](١) ثم قال ليوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي اكتمه ، وقال لها : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) ، وهذا قول السدي ، وطائفة من المفسرين.
قال السّهيلي : وهذا من باب الحكم بالأمارات ، وله أصل في الشّرع ، قال تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) [يوسف : ١٨] حيث لا أثر لأنياب الذئب فيه ، وقال تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) وقال عليه الصلاة والسلام في الحدّ : «انظروا فإن جاءت به أبيض خاليا فهو للّذي رميت به» (٢).
قال السهيلي : كان عامر بن الظرب العدوانيّ لا يكون بين العرب ثائر إلا تحاكموا إليه فيرضون بما (٣) يقضي به ، فتحاكموا إليه في ميراث خنثى بات ليلة ساهرا يرى ما ذا يحكم به؟ فرأته جارية له ترعى ، وكان اسمها سخيلة ، فقالت له : ما لك ، لا أبا لك اللّيلة ساهرا ؛ فذكر لها ما هو مفكر فيه ، وقال : لعلها يكون عندها في ذلك شيء ، فقالت له : «اتبع القضاء المبال» فقال (٤) : فرجتها والله يا سخيلة ، وحكم بذلك القول.
القول الثاني : منقول عن ابن عبّاس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ـ رضي الله عنهم ـ أن ذلك الشّاهد كان صبيّا في المهد ، أنطقه الله (٥).
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : تكلّم في المهد ثلاثة صغار : شاهد يوسف ، وعيسى ابن مريم عليهالسلام ، وصاحب جريج الرّاهب (٦).
قال الجبائيّ : القول الأول أولى لوجوه :
الأول : أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ لو أنطق الطفل بهذا الكلام ، لكان مجرد قوله : «إنّها كاذبة» كافيا ، وبرهانا قاطعا ؛ لأنّه من المعجزات العجيبة الباهرة (٧) والاستدلال بتمزيق
__________________
(١) سقط في : ب.
(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٣٦٢) ، كتاب الطلاق : باب التلاعن (٥٣٠٩) ومسلم (٢ / ١٢٩) ، (١١٣٤) ، كتاب اللعان (١ / ١٤٩٢) وأبو داود (٢ / ٢٧٤) ، كتاب الطلاق : باب في اللعان (٢٢٤٨).
(٣) في ب : فيضربون عما.
(٤) في ب : فقالت.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٩١ ـ ١٩٢) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وهلال بن يساف والضحاك.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٥) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
وعن الضحاك وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٩١) بلفظ أربعة وذكره الرازي في تفسيره (١٨ / ٩٩).
(٧) في ب : القاهرة.