حاضرا ؛ تعظيما له ، ورفعا منه لتظهر عذرها في شغفها.
وجوّز ابن عطية (١) : «أن يكون «ذلك» إشارة إلى حبّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ والضمير في «فيه» عائد على الحبّ ، فيكون «ذلك» إشارة إلى غائب على بابه».
يعني بالغائب : البعيد ، وإلا فالإشارة لا تكون إلّا لحاضر مطلقا.
وقال ابن الأنباري : «أشارت بصيغة «ذلك» إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس».
وقال الزمخشريّ (٢) : «إنّ النسوة كنّ قلن : إنها عشقت عبدها الكنعانيّ ، فلمّا رأينه ، وقعن في تلك الدّهشة ، قالت : هذا الذي رأيتموه ، هو العبد الكنعاني الذي لمتنّني فيه ، يعني : أنكنّ لم تصورنه بحقّ صورته ، فلو حصلت في خيالكنّ صورته ، لتركتن هذه الملامة».
واعلم أنها لما أظهرت عذرها عند النسوة ، في شدّة محبّتها له ، كشفت عن حقيقة الحال ؛ فقالت : «ولقد راودته عن نفسه فاستعصم» وهذا تصريح بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان بريئا من تلك التّهمة.
وقال السديّ : «فاستعصم» بعد حلّ السّراويل (٣).
قال ابن الخطيب (٤) : «وما أدري ما الذي حمله على إلحاق هذه الزيادة الفاسدة الباطلة بنص الكتاب؟! وذلك أنّها صرّحت بما فعلت ، فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي : فامتنع ، وإنما صرّحت به ؛ لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهنّ ، وقد أصابهنّ ما أصابها ، من رؤيته.
قوله : «فاستعصم» في هذه السين وجهان :
أحدهما : أنها ليست على بابها من الطلب ، بل «استفعل» هنا بمعنى «افتعل» فاستعصم (٥) و «اعتصم» واحد وقال الزمخشريّ : «الاستعصام بناء للمبالغة يدلّ على الامتناع البليغ ، والتحفّظ الشّديد ، كأنه في عصمة ، وهو مجتهد في الزيادة فيها ، والاستزادة منها ، ونحوه: استمسك ، واستوسع الفتق ، واستجمع الرّأي ، واستفحل الخطب» فردّ السين إلى بابها من الطلب ، وهو معنى حسن ؛ ولذلك قال ابن عطية (٦) : «معناه طلب العصمة ، واستمسك بها وعصاني» قال أبو حيان : ذكره التّصريفيّون في «استعصم» : أنه موافق ل «اعتصم» ، و «استفعل» فيه : موافق ل «افتعل» وهذا أجود من جعل «استفعل» فيه للطلب ؛ لأن «اعتصم» يدلّ على اعتصامه ، وطلب العصمة لا يدلّ على حصولها ، وأما أنه بناء مبالغة يدلّ على الاجتهاد في الاستزادة من العصمة ، فلم
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٤١.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٦٧.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٠٧) وذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٠٤).
(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٠٤.
(٥) سقط من : ب.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٤١.