بعد دخول شمعون المدينة أدرك ما كان قد أوجده الدين الجديد من ضجيج وصدى ، فما رأى المصلحة في التبليغ له بنحو مباشر بل في التقرُّب إلى الملك مستهدفاً النقطة الأساسية للخطر. ولأجل ذلك أوجد تدريجياً علاقة صداقة مع بعض شخصيات البلاط ، وباعتبار حسن بيانه وفكره وأخلاقه كسب ثقة البلاط بسرعة ، فعرّفوه إلى الملك ، وبعد فترة قصيرة استطاع زرع محبته في قلب الملك وازداد شأنه عند الملك شيئاً فشيئاً.
مضت أيام وهو يترصد اليوم والفرصة المناسبة لإنقاذ زملائه وللقيام بعملية تبليغ الدين الجديد. وفي يوم انفتح الكلام عن سجينين يدعيان بولص وبرنابا ، فسأل شمعون الملك : ما ذنبهما؟ فحكى الملك قصتهما بالتفصيل ، فسأله شمعون : وهل حقَّقت في ذنبهما أم لم تحقق؟ فأجاب الملك : عند ما شاهدنا نشاطهما غضبنا عليهما وأودعناهما السجن دون أن نحقِّق في أمرهما.
قال شمعون : كان من الأفضل أن تحقِّق في أمرهما ، واسمح لهما حالياً أن يأتيا ليتم التحقيق. فوافق الملك على ذلك وجيء بهما إلى هناك.
لم يعرّف شمعون نفسه ، وباشرهما بالسؤال : لماذا سجنوكما؟ وما جنايتكما؟
قالا : نحن مبعوثا الرسول عيسى عليهالسلام امرنا أن ندعو الناس إلى التوحيد.
قال شمعون : وما دليلكما على ما تقولانه؟ وهل لكما معجزة تثبت ذلك؟
قالا : نعم ، نعالج المرضى المستصعب علاجهم بإذن الله.
أمر الملك للاتيان بمريض استحال علاجه فعالجاه ، ممَّا آثار تعجّب الملك وحواشيه.
فسألهما شمعون : وهل لكما معجزة اخرَى؟
قالا : نحيي الموتى بإذن الله ، ففعلا ذلك أمام الملك.
عندئذٍ حذّر شمعون الملك من فقدانه التاج والعرش إذا لم يستسلم لمبعوثي عيسى عليهالسلام ؛ لأن آياتهما صحيحة وتثبت كونهما من مبعوثي رسولٍ بعثه الله.
وبهذه الخطة الدقيقة التي رسمها شمعون أسلم الملك بعد ما اتّضحت له الحقيقة ، وبعد ما بلغ الناس اعتناق الملك الدين الجديد قدموا أفواجاً أفواجاً معلنين اعتناقهم الدين الجديد.
اعتنقت انطاكية جميعها هذا الدين الجديد إثر مساعي هؤلاء المبلغين الثلاثة ، وإثر تحمّلهم