خلاصة ما تقدم أن المنافق ذا الوجهين لا قابلية له على الانعطاف ، وبمثابة الخشبة المسندة التي تستند على غيرها ولا أساس لها ولا فائدة ولا ثمرة.
٣ ـ (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ)
الصفة الثالثة للمنافقين هي أنهم يسيئون الظن ، ويحسبون كل صيحة وضوضاء ضدّهم ، فهم مصاديق للمثل المعروف (الخائن خائف) (١).
السارق يتلقَّى كل نظرة تُلقى عليه نظرة ذات معنى ، ويقول في نفسه : أخاف أنه علم بسرقتي ، أو أخاف أن يفشي سرقتي ، أو أخاف أن يكون شرطياً يعقبني ، وما شابه ذلك من الأوهام والتصوّرات ، هذا مع أنه من المحتمل أن يكون الناظر لم يرَ السارق من ذي قبل ، لكن طبيعة الخائن أنه يشعر بالخوف والاضطراب دائماً ، عكس الانسان الذي لم يتلوّث بالخيانة وصحيفة أعماله طاهرة فلا يخاف الحساب والتحقيق ، ولا ينتابه الخوف والاضطراب ولو نظرته آلاف العيون ، ولو كان في مركز الشرطة فلا يخاف شيئاً ، بل سوف يشعر بالاطمئنان الأكثر عند ما يجد نفسه جنب قوى الأمن.
وخلاصة الكلام هنا أن سوء الظن (٢) من صفات المنافق.
(هُمُ العدو فَاحْذَرْهُمْ)
مع الأخذ بنظر الاعتبار صفات المنافقين السابقة فهم أعداء وليسوا أنصاراً ، بل هم الأعداء الأصليون وإن كان لكم أعداء آخرون ، لكن خطرهم أقل من خطر المنافقين ، ولهذا عليكم الحذر من المنافقين أكثر من غيرهم.
الجملة الأخيرة انعكست في كلام الرسول صلىاللهعليهوآله بنحو آخر ، حيث قال : «إنّي لا أتخوّف على امتي مؤمناً ولا مشركاً ، أمَّا المؤمن فيحجرُهُ إيمانه ، وأمَّا المشرك فيقمعه كفره ، ولكن أتخوّف عليكم منافقاً عالم اللسان ، يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون» (٣).
__________________
(١) نزهة الناظر : ٨٤ ، الحديث ١٣ ، والحلواني ينقلها في الكتاب المزبور كحديث وارد عن الامام الحسين عليهالسلام.
(٢) سوء الظن على العموم يُعدُّ من الصفات الأخلاقية السيئة ، ولها عواقب ونتائج غير محمودة ، جاء ذكرها في المثل السابع والأربعين.
(٣) ميزان الحكمة ، الباب ٣٩٣٤ ، الحديث ٢٠٢٩٥ ، وشبيه لهذا الكلام ورد في الرسالة ٢٧ من نهج البلاغة ، التي