قذى ، وفي الحلق شجا (٣٥) أرى تراثي نهبا ، حتّى مضى الأوّل لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده (٣٦) ـ ثمّ تمثّل بقول الأعشى : ـ
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر(٣٧) |
فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته (٣٨) إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها (٣٩) فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها (٤٠) ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصّعبة (٤١) إن أشنق لها
__________________
(٣٥) الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. والتراث : الميراث.
(٣٦) أدلى بها : ألقى بها إليه.
(٣٧) الكور بالضم : الرحل أو هو مع أداته ، والضمير راجع إلى الناقة المذكورة في الأبيات قبل. وحيان كان سيدا في بني حنيفة مطاعا فيهم ، وله نعمة واسعة ورفاهية وافرة ، وكان الأعشى ينادمه ، والأعشى هذا : هو الأعشى الكبير أعشى قيس ، وهو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل.
وجابر : أخو حيّان أصغر منه.
ومعنى البيت أنّ فرقا بعيدا بين يومه في سفره وهو على كور ناقته وبين يوم حيان في رفاهيته ، فإنّ الأول كثير العناء شديد الشقاء ، والثاني وافر النعيم وافي الراحة. ووجه تمثّل الإمام بالبيت ظاهر بأدنى تأمل.
(٣٨) رووا أنّ أبا بكر قال بعد البيعة : (أقيلوني فلست بخيركم).
(٣٩) لشدّ ما تشطرا ضرعيها : جملة شبه قسمية اعترضت بين المتعاطفين والشطر أيضا أن تحلب شطرا وتترك شطرا ، فتشطرا : أي أخذ كلّ منهما شطرا. وسمّى شطري الضرع ضرعين مجازا : وهو هاهنا من أبلغ أنواعه حيث أنّ من ولي الخلافة لا ينال الأمر إلّا تامّا ، ولا يجوز أن يترك منه لغيره سهما ، فأطلق على تناول الأمر واحدا بعد واحد اسم التشطر والاقتسام ، كأنّ أحدهما ترك منه شيئا للآخر ، وأطلق على كل شطر اسم الضرع نظرا لحقيقة ما نال كلّ منهما.
(٤٠) الكلام ـ بالضمّ ـ : الأرض الغليظة وفي نسخة كلمها. وإنّما هو بمعنى الجرح كأنّه يقول : خشونتها تجرح جرحا غليظا.
(٤١) الصعبة من الإبل : ما ليست بذلول. وأشنق البعير ، وشنقه : كفّه بزمامه حتى ألصق ذفراه : (العظم الناتئ خلف الأذن) بقادمة الرحل ، أو رفع رأسه وهو راكبه. واللام هنا زائدة للتحلية ولتشاكل أسلس. وأسلس : أرخى. وتقحّم : رمى بنفسه في القحمة ، أي : أهلكها.
قال الرضي : «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم» يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم ـ