كل عضو يجيب عن أعماله ، وأي شاهد أصدق من هذا!
ومن الواضح أنّ هذه الشهادة (شهادة الجوارح) ولو أنّها تنطق بقدرة الله سبحانه وتعالى إلّا أنّها ليست شهادة الله مباشرة ولقد نقل ذلك الفخر الرازي في تفسيره (١) كأحد التفاسير التي قيلت بشأن هذه الآية.
ومن الطريف ، طبق هذه الآيات أنّ المذنبين يعاتبون جلودهم : (لِمَ شَهِدتُّم عَلَينَا) أو ـ كيف شهدتم ضدنا ـ (السؤال الأول سؤال عن السبب أمّا السؤال الثاني فهو سؤال عن الكيفية).
أمّا بقية الأعضاء الخمسة فلا تسأل مثل هذا السؤال ، ولعل السبب في ذلك هو أنّ شهادة الجلود أكثر عجباً من سائر الشهادات وأنّها شهادة غير متوقعة تماماً ، إضافة إلى ذلك أنّ الجلود تلمس بشكل من الأشكال جميع الأفعال ولا تختص بعضو معين لا كما قال بعض المفسرين إنّ هذه إشارة إلى «الفرج» فقط.
ونختم كلامنا في هذا البحث بالإشارة إلى أنّه يستفاد من بعض الآيات الكريمة أنّ سائر أعضاء الجسم ماعدا «اللسان» تشهد على الإنسان أولاً ، وبعد أن تتضح المسائل يعترف اللسان أيضاً بالحقيقة كما ورد ذلك قوله تعالى : (اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). (يس / ٦٥)
* * *
الآية التاسعة تتحدث عن (شهادة الأرض) على الإنسان بما عمل ، قال تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا).
وبهذا تعتبر الأرض التي نؤدّي عليها أعمالنا من أهم الشهود في ذلك اليوم ، كما ورد ذلك في حديث عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله إذ قال : «أخبارها أن تشهد على كل عبد وامة بما عمل
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ٢٣ ، ص ١٩٤.