ويمكن أنّ نشبه حال هؤلاء كمثل حال المجرمين الذين يساقون في هذه الدنيا إلى المحكمة ، فهناك مأمور يسوقهم من ورائهم وآخر يتقدمهم بصحيفة أعمالهم.
وجاء في نهج البلاغة : أنّ الإمام امير المؤمنين علي عليهالسلام قال بعد هذه الآية : سائق يسوقها إلى محشرها وشاهد يشهد عليها بعملها (١).
* * *
ولقد ورد في الآية السابعة كلام عن (شهادة الجوارح) في تلك المحكمة المرعبة ، قال تعالى : (يَوْمَ تَشهَدُ عَلَيهِم أَلْسِنَتُهُم وَأَيدِيهِم وَأَرجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ).
وقال في موضع آخر : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ). (نور / ٢٥)
* * *
أمّا الآية الثامنة فهي تشبه الآية السابقة مع شيء من الاختلاف ألا وهو حديثها عن شهادة الجلود ، قال تعالى : (حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيهِمْ سَمْعُهُم وَأَبصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِى أَنْطَقَ كُلَّ شَىْءٍ).
يظهر من الآيات أعلاه أنّ الله سبحانه وتعالى يعطي لأعضاء البدن وحتى الجلد ، القدرة على التكلم والنطق ، فكل عضو من الأعضاء يجيب عمّا فعله ، فالأذن تجيب عمّا سمعت ، والعين عمّا رأت ، والجلد عمّا لمس ، واللسان عمّا قال ، واليد عمّا انجزت ، والقدم عن الطريق الذي سلكته ، فيعترف كل من الأعضاء الستة بالأعمال التي اكتسبها.
ويقول بعض المفسرين ، إنّ بعض هذه الأعضاء يشهد على جميع أعمال الإنسان كشهادة الزمان وليس على أعمال ذلك العضو فقط ، وهذا لا يتناسب مع ظاهر الآيات ، ومن هنا يتضح أنّه إذا لم تذكر بعض الأعضاء (كالقلب والمخ والشفتين والأسنان بالنسبة للنيات والأغذية والأقوال) فلا يعني ذلك أنّ الشهادة تنحصر بهذه الأعضاء الستة ، وعلى ما يبدو أنّ
__________________
(١). نهج البلاغة ، خطبة ٨٥.