وفي نقل آخر وفي امتداد هذه الرواية قال صلىاللهعليهوآله : «ياربّ هذا على من أنا بين ظهرانيهم فكيف من لم أرهم» (١).
والظاهر أنّ بكاء الرسول صلىاللهعليهوآله إنّما كان للمواقف المرعبة في يوم المحشر ولثقل المسؤولية التي وضعت على كاهله صلىاللهعليهوآله ألا وهي مسؤولية الشهادة على الحاضرين والأهم منها الشهادة على الغائبين والتي سوف يقدر عليها بالتأييد الإلهي.
* * *
ولقد جاء في الآية السادسة حديث عن شهادة الملائكة في تلك المحكمة العظيمة ، قال تعالى : (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ).
«السائق» : هو الذي يسوق النفوس إلى محكمة العدل الإلهي.
«الشهيد» : هو الذي يشهد على أعمالها.
ومع أنّ الآية الكريمة لم تصرّح بأنّ هذا (السائق) و (الشهيد) هو من الملائكة أو من غيرهم؟ وفي حال كونه من الملائكة فأي ملك منهم؟
ولكن القرائن تؤكد أنّه من الملائكة حتماً نظراً لكونهم الأنسب لتحمل مثل هذه المسؤولية الثقيلة وأنّ هذا العمل يناسب نفس الملكين المأمورين بتسجيل «الحسنات» و «السيئات» حيث إنّهما أكثر الملائكة اطّلاعاً على أعمال بني آدم.
وقيل : إنّ السائق هو ملك الموت الذي يسوق الإنسان نحو الموت ، والشاهد هو عمل الإنسان أو جوارحه أو صحيفة أعماله.
وفسّر البعض ، السائق (بالشيطان) والشاهد بالملك.
ويلاحظ أنّ جميع هذه التفاسير لا تنسجم مع ظاهر الآية باستثناء التفسير الأول ، على أيّة حال فإنّ الملك الأول هو المانع من الفرار ، أمّا الملك الثاني فهو المانع من الانكار فيومئذ لامحيص للفرار ولا حيلة لانكار الأعمال.
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٣ ، ص ١٧٦٧. ولقد نقل هذا الحديث الآخرون بشيء من الاختلاف.