ولكن الكثير من المفسرين قالوا : (هؤلاء) إشارة إلى الأنبياء الذين أشارت إليهم الجملة السابقة ، وبهذا سيكون الرسول صلىاللهعليهوآله هو الشاهد على جميع الشهود.
ويطرح هنا هذا السؤال : وهو كيف تكون شهادة الأنبياء عليهمالسلام على اممهم أو شهادة الرسول صلىاللهعليهوآله على الأنبياء مع العلم أنّ معنى الشهود مقترن مع الحضور ، وأنّ كل نبي من الأنبياء وبضمنهم الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله جاؤوا في مقطع زمني محدد من تاريخ اممهم؟
من الممكن أن يكون المعنى أنّ أرواحهم في عالم البرزخ ناظرة إلى أحوال اممهم وهذا ينافي قوله تعالى في الآية التي تتكلم عن لسان المسيح عليهالسلام : (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّادُمتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِى كُنْتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ، (المائدة / ١١٧)
فيتضح من خلال هذه الآية الكريمة أنّ الشهادة تعني الحضور المقترن بالرقابة والتصدي للانحراف وليس بالحضور فقط ، أمّا فيما يتعلق بالرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله فمن الممكن أن يكون حضور روحه المقدّسة على طول تاريخ البشرية هو السبب لهذه الشهادة كما ورد في الروايات أنّ أول ماخلق الله تعالى نور محمد صلىاللهعليهوآله.
عن علي عليهالسلام : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلىاللهعليهوآله قبل أن يخلق السموات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنّة والنّار» (١).
وهناك احتمال آخر في معنى الشهادة وهو مقياس الوزن ، وذلك لأنّ الإنسان النموذجي يمكن أن يكون بعمله شاهداً على أعمال الصالحين (الأشخاص الذين تشبه أعمالهم أعمال القدوة) وكذلك شاهداً على أعمال الطالحين ، وبهذا المعنى لا ينحصر مفهوم الآية بشهود القيامة.
ومن المناسب أن نذكر حديثاً للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله في هذا الصدد ، فقد روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لابن مسعود : «اقرأ القرآن عليّ» قال : قلت : يارسول الله أنت الذي علمتنيه. قال : «أحبّ أن أسمعه من غيري». قال ابن مسعود : فافتتحت سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية فبكى الرسول صلىاللهعليهوآله. قال ابن مسعود : فامسكت عن القراءة (٢).
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ١٥ ، ص ٤.
(٢) التفسير الكبير ، ج ١٠ ، ص ١٠٥.