كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً انَّكُمْ عَآئِدُونَ). (الدخان / ١٥)
فلا يمكن تصوّر وقوع هذا المعنى في يوم القيامة خاصة وأنّ الآية التي بعدها تشير إلى القيامة وعقوباتها بشكل مستقل ، وهذا يدل على أنّ ما ذكر قبلها يتعلق بغير يوم القيامة : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى انَّا مُنْتَقِمُونَ). (الدخان / ١٦)
الثاني : ويرى بعض آخر أنّ الآية تشير إلى أنّ الكفّار بعد أن حلّت بهم المجاعة والجدب جاءوا إلى النبي يطلبون منه الدعاء لرفع هذا العذاب فدعا النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فرفع العذاب عنهم ولكنّهم عادوا إلى عتوّهم وجحودهم.
وبناءً على ذلك فإنّ الدخان هنا يراد به المعنى المجازي ؛ لأنّ الادب العربي يستخدم كلمة دخان كناية عن الشر والبلاء الغالب ، كما ذكر ذلك الفخر الرازي في تفسيره (١).
أو قد يراد بالدخان ، الأتربة والغبار الذي يغطي صفحة السماء أثناء سنوات القحط حيث لا وجود للأمطار التي تزيل هذا الغبار وهذه الأتربة (٢) ، من هنا يطلق على سنة القحط بـ (السنة الغبراء) أو (عام الرماد).
والمأخذ الذي يؤاخذ عليه هذا التفسير هو أنّ الدخان الوارد في الآية الكريمة لم يستعمل بمعناه الحقيقي وقد حمل على معناه المجازي بدون أية قرينة.
الثالث : ويرى الآخرون أنّ الآية تشير إلى احدى علامات قرب القيامة حيث تغطى السماء بدخان مبين فيلجأ الناس إلى لطف الله تعالى ليكشف عنهم العذاب فيرفع بكرمه ولطفه عنهم قليلاً منه ورغم كل هذا لا يؤمن المنكرون.
إنّ هذا التفسير إضافة إلى كونه مطابقاً لظاهر الآية فانّه يتفق مع الأخبار المتعددة التي وردت في مصادر تفسير الشيعة والسنّة ، ونقرأ هنا حديثاً عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله : عن حذيفة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «أول الآيات خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تَبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٢٤٢.
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ١٠٧ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ٤٠٦.