العليا ، ومن الواضح أنّ أشرف شراب أهل الجنّة هو الشراب الذي يسمى «تسنيم» وهو خاص بالمقربين.
وورد في تفسير علي بن إبراهيم : «إنّ أشرف شراب أهل الجنّة يأتيهم من أعالي تسنيم وهي عين يشرب بها المقربون ، والمقربون آل محمد صلىاللهعليهوآله ، والمقربون يشربون من تسنيم بحتاً صرفاً وسائر المؤمنين ممزوجاً!» (١).
ويأتي (الشراب الطهور) في الدرجة الثانية ، ولقد أشارت إليه سورة الإنسان ، الآية ٢١ ، بقرينة ، أنّه الشراب الوحيد في القرآن الكريم الذي يكون ساقيه هو الله تعالى.
ومن المعلوم أنّ جميع هذه الأوصاف التي نسمعها ونقرأُها ماهي إلّاصورة غير واضحة تتجسم في أذهاننا عن ذلك العالم الكبير ، وإلّا فلا يمكن توصيف هذه النعم وهذا الشراب الطهور من قبل سجناء عالم المادة : (فَلا تَعْلَمُ نَفسٌ مَّا اخفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ اعيُنٍ). (السجدّة / ١٧)
والطريف أنّ القرآن الكريم عبر بتعابير مختلفة لرفع أي ابهام في مجال الاختلاف الواضح بين الأشربة الدنيوية المكدرة بأنواع الكدورات ، والشراب الطهور في الجنّة قال تعالى : (بَيضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ). (الصافات / ٤٦)
لا كمثل شراب الدنيا المر الطعم غير المستساغ الشرب حتى أنّ شاربيه يتجرعونه في بادئ الأمر بكراهة ، أمّا شراب الجنّة فهو شراب لذيذ منعش تعقبه نشوة معنوية وروحية غير قابلة للوصف.
ثم يضيف تعالى بقوله : (لَافِيهَا غَولٌ وَلَا هُم عَنهَا يُنزَفُونَ). (الصافات / ٤٧)
إنّ شراب الدنيا يفسد العقل ويسكر الأبدان بحيث يصبح الجسم من الضعف والوهن فلا يقدر على الحركة وحفظ التوازن .. أمّا أشربة الجنّة فتعمل على تأجيج شعلة العقل والذكاء ، وتشد من جاذبية العشق ، وتهّي الجسم والروح للتمتع باللذات المعنوية والمادية بشكل أفضل (٢).
__________________
(١). تفسير علي بن إبراهيم ، ج ٢ ، ص ٤١٢.
(٢). «غَوْل» على وزن «قَوْل» في الأصل بمعنى غالَ : أهلكه وأخذه من حيث لا يدري ، وتطلق هذه الكلمة على الفساد الخفي الذي ينفذ في الشيء.