يُخدمون لا أنّهم خدم للآخرين ، وإن كانوا غير مؤمنين فلا سبيل لهم.
وتعبير (مخلدون) إشارة إلى بقائهم على حالهم فيبقون صغاراً دائماً لا يكبرون ولا يلتحون فهم على هيئتهم من حداثة السن والنشاط والحيوية.
ولقد ورد نفس هذا التعبير بتوضيح أكثر وألطف ، قال تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلدَانٌ مُّخَلَّدُونَ اذَا رَأَيْتَهُم حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً). (الإنسان / ١٩)
وهذا شاهد آخر على أنّ المراد من (ولدان) هو نفس (الغلمان) الذين وصفتهم الآيات السابقة بـ (لؤلؤ مكنون) ، وهنا وصفتهم هذه الآية بـ (لؤلؤ منثور).
ولقد احتمل الكثير من المفسرين أنّ هؤلاء الغلمان هم أطفال المشركين والمؤمنين الذين رجحت كفة سيئاتهم ، فلم يؤاخذهم الله سبحانه بأعمال آبائهم ولكن جعلهم خدماً لأهل الجنّة وهم مسرورون بذلك.
ولو أخذنا بنظر الاعتبار ما أشرنا إليه سابقاً في تضعيف هذا الاحتمال ، وما الرواية التي نقلت في هذا المجال إلّارواية مرسلة لا أكثر.
وجاء في تعبير آخر (بصيغة المبني للمجهول) يشير إلى المضيفين في الجنّة ، قال تعالى : (يُطَافُ عَلَيهِم بِكَأسٍ مِّنْ مَّعِينٍ). (الصافات / ٤٥)
ولقد ورد شبيه هذا المعنى بشيء من التفاوت كدليل على تنوع الموائد في الجنّة في قوله تعالى : (وَيُطَافُ عَلَيهِمْ بِآنِيَةٍ مِّنْ فِضَّةٍ وَأَكوَابٍ كَانَت قَوَارِيرَاْ). (الدهر / ١٥)
ونقرأ تعبيراً آخر في قوله تعالى : (يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِّنْ ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ). (الزخزف / ٧١)
«صحاف» : جمع «صحفه» وعلى قول الزمخشري (طبق ما جاء في مصباح اللغة) : إناء مستطيل (كبير) ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار المادة الأصلية للكلمة والتي تعني الانبساط والاستواء ، فيمكن أن يكون إشارة إلى إناء يشبه (الصينية).
و «أكواب» : جمع (كوب) وهو إناء للشراب لاعروة فيه وقد يعبر عنه بـ (القدح) أحياناً. والجدير بالذكر وعلى قول بعض المفسِّرين (صحاف) (جمع كثرة) و «أكواب» جمع «قلة» ، وهذا يعود إلى أن تنوع الأغذية وصحافها أكثر من تنوع المشروبات وأكوابها (١).
__________________
(١). تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٩٠.