أبداً ، فهم في قصور الدر والمرجان أبوابها مشرعة إلى عرش الرحمن والملائكة يدخلون عليهم من باب سلام عليكم بماصبرتم فنعم عقبى الدار» (١).
وأخيراً تأتي تكملة هذا الموضوع في الآية الكريمة : (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ اخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ* لايَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَاهُمْ مِّنهَا بِمُخْرَجِينَ) (٢). (الحجر / ٤٧ ـ ٤٨) وبما أنّ كلمة «غل» تحتمل الكثير من المعاني الواسعة التي تدل في الغالب على الصفات الباطنية القبيحة التي تعكر صفو الروح والجسد والعائلة والمجتمع ، لهذا يفهم من هذه الآية أنّ صدور أهل الجنّة خالية من الحقد ولا تحمل قلوبهم أي ضغينة وعداوة وكبر وحسد ، فالله قد نزع من قلوبهم كل هذه الصفات الرذيلة ، فسادتهم روح الاخوة والمحّبة. وما أجمل وألطف مثل هذه الأجواء الخالية من تلك الصفات التي يخيم عليها الحب والعطف والسلام والوئام.
وحتى في الحياة الدنيا كلما أزيلت أمثال هذه الرذيلة من المجتمع كلما ساده الأمن والاستقرار ، وعلى العكس من ذلك كلما انتشر وجود أمثال هذه الظواهر في أي بيت أو مجتمع أصبحت مصدراً للنزاعات الدامية والمؤسفة وسبباً لزعزعة الأمن والاستقرار.
وممّا يثير الاهتمام أنّ القرآن الكريم جعل الاستقرار الداخلي مكمّلاً للاستقرار الخارجي حيث يقول : لا يوجد في الجنّة تعب أو اضطراب ، وينعدم فيها الخوف من زوال النعم ، وهو الهاجس الذي يقلق بال الإنسان الذي ينعم بالخيرات ويكدّر عليه عيشه ، وكل هذه الأسباب تجعل من نعم الجنّة هنيئة مستساغة (٣).
* * *
__________________
(١). بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ١٩٤ ، ح ١٧٦.
(٢). «غلّ» مشتقّة من كلمة «غلل» على وزن «بَلَل» ، وتعني في الأصل النفوذ التدريجي للشيء ، ولهذا يُقال للماء الذي يجري ويتسلل بين الأشجار (غلل) ، وكذلك يقال للحسد والحقد والعداوة «غل» لأنّها تنفذ إلى القلب خفية وبالتدريج ، وكذلك يطلق على الخيانة اسم «الغلول» لهذا السبب.
(٣). ورد ما يشابه هذا المضمون مع بعض الاختلاف الجزئي في : الآية ٤٣ من سورة الأعراف ؛ والآية ٣٥ من سورة فاطر.