وحشة شديدة حتى ألقاك ، فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأنّي إن أُدخلت الجنّة فأنت تكون في درجات النبيين وأنا في درجات العبيد فلا أراك وإن أنا لم أُدخل الجنّة فحينئذٍ لا أراك أبداً. فنزلت الآية (١).
وكلمة «ذلك» التي تستعمل عادة إشارة للبعيد ، جاءت هنا للدلالة على عظمة هذه النعمة الإلهيّة ، وكأنّها عالية إلى الحد الذي يجعلها بعيدة عن متناول أيدينا ، وكذلك عبارة «فضل من الله» إنّما هي تأكيد على هذا المعنى وإشارة إلى أنّ هذه النعمة لا يمكن الحصول عليها بمجرّد العمل ، بل تنال بفضل الله.
وتجدر الإشارة إلى قضية أخرى في هذه الآية ، وهي ذكرها لأربع جماعات بالترتيب واعتبارهم كأصدقاء في الجنّة وهم : «الأنبياء ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين».
ويبدو أنّ هذا الترتيب يدل على تسلسل درجاتهم. فقال بعضهم : «إنّ الأنبياء وُضعوا في المقام الأول لأنّهم وصلوا في مجال المعرفة الإلهيّة إلى حد رؤيته عن قرب بباصرة القلوب ، والصديقون في المقام الثاني من المعرفة وهم كمن يرى الأشياء بعينيه من بعيد ، والشهداء في المقام الثالث وهم كمن يدرك وجود الشيء بالأدلة العقلية ، والصالحون في المقام الرابع وهم كمن يقبل الأشياء عن طريق تقليد الكبار واتّباع أهل الفن» (٢).
يمكن في كثير من الحالات اطلاق كلمات (الشهداء والصالحين والصديقين) على الأنبياء أيضاً ، لكن ربّما يُقال : إنّ هذه الأوصاف الأربعة عندما تصبح في ازاء بعضها فانّها تعطي مثل هذا المعنى.
ويبدو أنّ هناك تفسيراً أكثر روعة بشأن هذه الدرجات الأربع ، وهو أنّ الحاجة إلى هداية المجتمع الإنساني تحتاج في بداية الأمر إلى الأنبياء أي (القادة الربّانيين). ومن بعدهم يأتي دور الصديقين أي المبلّغين الصادقين في القول والعمل الذين ينشرون دعوتهم
__________________
(١). راجع تفاسير مجمع البيان ؛ والكبير ؛ والقرطبي ؛ والمراغي ؛ وروح المعاني ؛ وفي ظلال القرآن ذيل الآية مورد البحث.
(٢). مقتبس من تفسير روح المعاني ، ج ٥ ، ص ٦٨.