وقد وردت الإشارة إلى هذا الموضوع بتعبير آخر في قوله تعالى : (تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ). (المطففين / ٢٤)
فكلمة «النضرة» : تعني في الأصل الجمال ، والمقصود من (نضرة النعيم) الطراوة والنعومة التي تظهر من أثر وفرة النعمة والحياة المرفهة وتعكس حالة (الارتياح والانبساط الداخلي) كما أنّ «تعابير الوجه تفشي سر الداخل» (١).
وقد فسّر بعضهم هذه الكلمة بمعنى السعيد والفرح والمستبشر كما جاء في قوله تعالى : (وُجوُهٌ يَومَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) (٢). (عبس / ٣٨ ـ ٣٩)
ولكن الآيات السابقه لها تظهر أنّ هذه الآية تشرح حال المؤمنين في مشهد المحشر وليس في الجنّة.
وفسرها البعض الآخر بمعنى النور والجمال والاشراق الذي لا يتيسر للبيان وصفه ، (٣) وذهب البعض الآخر إلى أنّها تعني البِشْر والبشاشة التي تظهر على وجوههم شعوراً منهم برضا المحبوب أي الله سبحانه وتعالى (٤).
ونقرأ هذا الوصف الآية الكريمة : (وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ). (الغاشية / ٨ ـ ٩)
كلمة «ناعمة» : مأخوذة من مصدر (النعمة) وتعني هنا الاستغراق في النعمة إلى حد ظهور آثارها من السرور والارتياح على الوجه.
وقال آخرون : إنّها تعني النعومة واللطافة ، وهذه أيضاً حاصلة من النعم المختلفة (٥).
ومن الطبيعي أنّ هذه النعومة والطراوة ، أو تلك الوجوه المنيرة على قول بعض المفسّرين وكأنّها القمر في الليلة الرابعة عشرة ، ليست معلولة للنعم المادية فقط لأنّ النعم المادية
__________________
(١). جاءت تعابير مشابهة في سورة القيامة ، الآية ٢٢ ؛ وسورة الدهر ، الآية ١١.
(٢). تفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٩٨ (نقله باعتباره قولاً).
(٣). المصدر السابق ، ص ٩٩.
(٤). روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧١.
(٥). تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٢٧٤.