ويمكننا أن نفهم بشكل إجمالي الفارق بين النعم المادّية والمعنوية واللّذات المنبثقة عن أيٍّ منهما ، فنحن نعرف مثلاً أنّ اللذة الناتجة عن لقاء الحبيب الغالي بعد سنوات من الفراق ، أو الشعور باللذة من جرّاء اكتشاف قضّية علمية معقدة كُنّا نبحث عنها لسنوات طويلة ، والأكثر من كل ذلك النفحات الروحية والانشراح النفسي الذي يغمرنا حين العبادة الخالصة والمناجاة المقرونة بحضور القلب والمحبّة الدافئة ، نعرف أنّه لا يمكن مقارنة كل هذا بلذّة الطعام والشراب وسائر اللذات المادّية الاخرى.
روى أبو سعيد الخدري حديثاً عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال فيه :
«إنّ الله يقول لأهل الجنّة : ياأهل الجنّة ؛ فيقولون لبيك ربّنا وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى ياربِّ وقد اعطيتنا ما لم تُعْطِ أحداً من خلقكَ : فيقول : ألا اعطيكم أفضلَ من ذلك ، فيقولون ياربّ وأيُّ شيءِ أفضل من ذلك فيقول : احلُّ عليكم رضواني فلا أَسخطُ عليكم بعده أبداً» (١).
وورد نفس هذا المعنى عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام ولكن بتعبير آخر ، جاء في آخرهِ : «فيقول تبارك وتعالى : رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه» (٢).
«رضوان» : يعني الرضا والارتياح بالمعنى المصدري ، ومجيئُها هنا على هيئة النكرة يدل على العظمة ، أي إنّ رضوان الله الأكبر أهم من كل شيء.
وقيل أيضاً : إن تنكيرها هنا فيه دلالة على القِلّة ، أي إنّ أقلَّ رضاً من الله يُعتبر أكبر من جميع النعم المادية المتاحة في الجنّة.
وعلى أيّة حال ، فليس في ميسور أحد وصف تلك النفحات الروحية واللذات المعنوية التي ينالها الإنسان بسبب الشعور برضا الله ، نعم إنّ أي جانب من هذه اللذة الروحية يفوق جميع النعم والمسرّات الموجودة في الجنّة.
وممّا يسترعي الانتباه أَنَّ الآية (١١٩) من سورة المائدة ، وبعد سردها للنعم المادية في
__________________
(١). تفسير روح الجنان ، ج ٦ ، ص ٧٠ ؛ تفسير روح المعاني ، ج ١٠ ، ص ١٢٢.
(٢). تفسير العيّاشي ، آخر الآية مورد البحث وفقاً لما جاء في تفسير الميزان.