الماء العذب عند العطش من أعظم اللذات بالنسبة لنا ، وهذا هو معنى قولنا إنّ طعم الماء هو طعم الحياة ، فلا يبعث فينا الملل ولا الضجر بل يبقى الماء العذب مستساغاً ولذيذاً في أفواه العطاشى.
فما المانع في أن يجعل الله لدى الإنسان حالة شبيهة بحالة العطش (العطش اللذيذ الخالي من الازعاج والأذى ، مثل العطش للقاء المحبوب) لكي يلتذ الإنسان بواسطتها من النعم الروحية والجسمية الموجودة في الجنّة؟
الثالثة : لما كانت ذات الله وصفاته غير متناهية ، فلا شكّ أنّ مظاهره الروحية والمعنوية لا نهاية لأمدها ، فهو يفيض عليهم في كل يوم بألطاف جديدة ويمدّهم في كل لحظة بهداية متجددّة لا تكرار فيها ولا رتابة وهل يمكن أن يتكرر ما لا نهاية له؟
والنعم المادية هي من مظاهر رحمانيّته ورحيمّيته ، ولا حد لها ولا حصر.
فما المانع في أن تكتسب أنهارُ الجنّة وأشجارها وأزهارها وتلك الألوان والعطور وتلك الأشربة الطاهرة ، لوناً وطعماً وشكلاً وعطراً جديداً في كل يوم وفي كل ساعة؟ فألوانها في حالة تبّدل دائم وهي في تغيّر مستمر ، تكتسي على الدوام بحلل جديدة بحيث لا يتكرر الطعام الواحد ولا المشهد الواحد على أهل الجنّة إلّامرة واحدة طوال حياتهم فيها! (فياله من مشهد عجيب!).
هناك بعض الآيات القرآنية والروايات التي تؤكّد ما ورد في هذا الباب منها : (كُلَّ يَومٍ هُوَ فِى شَأْنٍ). (الرحمن / ٢٩)
وقد طرح المفسرون آراءً كثيرة متنوعة في تفسير هذه الآية ويشير كل واحدٍ منها إلى فعل من أفعال الله في مسألة خلق الناس وموتهم أو رزقهم وحياتهم أو عزّة ومذّلة الامم والأقوام أو غفران الذنوب وكشف الهموم أو جلب النفع ودفع الضر ، ولا شكّ أنّ لهذه الآية مفهوماً أوسع يشمل أي تغيير يطرأ على أوضاع العالم ، ونظراً لانعدام الدليل على تخصيص هذه الآية في مجال الدنيا ، بل وإنّ مجيئها بعد الآية الشريفة : (كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ* وَيَبقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكرَامِ). (الرحمن / ٢٦ ـ ٢٧)