فهل يُفهم من هذا الكلام أنّ النّار محيطة بهم من كل جانب وكأنّها غدت لباساً لهم؟ أوقطعاً حقيقية من النّار قد فُصّلت لهم وخيطت على هيئة الثياب؟ ظاهر الآية يشير إلى صحّة التفسير الثاني ، والأكثر إيلاماً لهم من ذلك أنّهم : (يُصَبُّ من فَوقِ رؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ). ثم تصف الآية فعل هذا الماء الحميم على بطونهم وجلودهم قائلة : (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِم وَالجُلُودُ).
كلمة «يصهر» : مأخوذة من المصدر «صَهْر» على وزن «نَهْر» ويعني إِذابة الشحم أو ما أشبهه ، وتُطلق أيضاً على كل ما يحمى ويتغير بفعل حرارة الشمس.
ثم تتحدث الآية عن العقوبات الأُخرى قائلة : (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِن حَدِيدٍ).
«المقامع» : جمع «مِقمع» على وزن «مِنْبَر» وفُسّرت أحياناً بمعنى السوط وأحياناً أُخرى بالعمود الذي يُضرب به على رأس الشخص.
ثم أخيراً تصوّر الآية وضعهم الأليم بالهيئة الآتية : (كُلَّمَا ارَادُوا ان يَخْرُجُوا مِنهَا مِنْ غَمٍّ اعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَريِقِ).
لا شك أنّ هذه العقوبات المؤلمة حتى وإن حصل أقل منها في الدنيا تؤدّي إلى موت الإنسان : لكن البناء الجسدي للمجرمين هُناك يكون بالشكل الذي لا يؤدّي إلى القضاء عليهم لتنفيذ هذه العقوبات ، ليذوقوا جزاء أعمالهم. وهذا يدل على أنّ القوانين السائدة في ذلك العالم تختلف عمّا هو موجود في عالمنا هذا ، (فتأمّل).
* * *
نُشاهد في الآية الثانية تعبيراً جديداً عن ثياب أهل النّار ، ورد فيها : (سَرَابِيلُهُمْ مِّن قَطِرَانٍ وَتَغشَى وجُوهَهُمُ النَّارُ).
«سرابيل» : جمع (سربال). قال الراغب في المفردات ، هو القميص من أي مادة كان.
وورد نفس هذا المعنى أيضاً في «لسان العرب» و «صحاح اللغة» ، وفسّرها البعض الآخر بأي نوع من الثياب.