وأشارت الآية الثانية إلى واحدة أُخرى من العقوبات الصارمة للكفرة ، فقالت : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً) (١).
ثم تضيف : (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلنَاهُمْ جُلُوداً غَيرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً).
والجملة الأخيرة هي في الحقيقة إجابة عن هذا السؤال : هل أنّ عذاباً كهذا ممكن؟ وإن كان ممكناً فهل هو عادل؟! القرآن يقول : إنّ هذا على الله يسير ولا يتعارض مع حكمته أيضاً.
وعُرِض بين المفسرين سؤال معروف وهو : إذا تبدّلت هذه الجلود بجلود أُخرى ، فما ذنب هذه الجلود الجديدة حتّى تتعذب؟
طرح المفسرون الكبار اجابات متعددة عن هذا السؤال وأفضلها هو جواب الإمام الصادق عليهالسلام حين أجابَ عن السؤال الذي طرحه «ابن أبي العوجاء» بعد قراءة هذه الآية : «ماذنب الغير»؟
فأجاب الإمام عليهالسلام جواباً غنيّاً ومقتضباً : «هي هي وهي غيرها».
قال : فمثل لي في ذلك شيئاً من أمر الدنيا قال : «نعم أرأيت لو أنّ رجلاً أخذ لبنة فكسرها ثم ردّها في ملبنها فهي هي وهي غيرها» (٢).
ووفقاً لهذه الرواية ، فإنّ جلوداً جديدة ستنشأ من الجلود الأُولى فتتغيّر الصورة مع الحفاظ على وحدة المادّة.
وقال جماعة أيضاً : إن كانت الصورة والمادة غير الصورة والمادّة للجلود السابقة عندئذٍ لا تحصل أيّة مشكلة لأنّ عذاب القيامة تذوقه الروح لا الجلد ، ورأوا أنّ التعبير بـ «ليذوقوا العذاب» دليل على صحة هذا القول. ولهذا السبب كثيراً ما يحصل ويرتكب الإنسان ذنباً بعضو فينزل العقاب على عضو آخر ، كأن يشرب الخمر مثلاً فيضرب ثمانين سوطاً على ظهره ، فيكون هذا في مقابل ذاك وايذاء الجسم وسيلة لايذاء الروح.
__________________
(١) يبدو أن تنكير النّار هنا لتبيان عظمتها.
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٩٤ ، ح ٣١٤.