ورائه ، فهم يأتمرون بأمره تعالى ولا يشفعون إلّالمن يرتضي ، أي للموحّد فقط.
وعلى هذا تكون جملة «لمن ارتضى» إمّا إشارة إلى رضاه عن دينهم وتوحيدهم وإيمانهم ، وإمّا كونه راضياً عن الشفاعة لهم ، وكلاهما يرجعان إلى معنىً واحد.
وانطلاقاً ممّا ذكر فإنّ شفاعة غير الله لا تكون إلّابإذنه ، واذنه يختص بالمؤمن والموحّد.
ويطالعنا في الآية التاسعة تعبير جديد يجري في نفس هذا المجرى ، فالآية تتحدث عن سوق المجرمين نحو جهنّم ثم تقول : (لَّايَملِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمنِ عَهداً).
وهذا الوصف لمن يُشفع لهم (بقرينة الآية السابقة لها والتي تتحدث عن المجرمين).
ومن المؤكّد أنّ المقصود بالعهد هنا هو الإيمان بالله والإقرار بوحدانيّته وتصديق الأنبياء وقبول ولاية الأوصياء ، وقد أضاف البعض إلى كل ذلك العمل الصالح.
ورغم كثرة الاحتمالات التي طرحها المفسّرون في تفسيرهم لكلمة «العهد» ، إلّاأنّه يتضح خلال التمعن فيها أنّها تعود إلى المعنى الذي أشرنا إليه آنفاً.
واحتمل بعض المفسرين الكبار أن يكون هذا الوصف للشفعاء وأنّ المقصود بـ «العهد» هنا هو نفس ما ورد في الآية ٨٦ من سورة الزخرف ؛ أي «الشهادة بالحق» (١).
ولكن بما أنّ الضمير في «لا يملكون» ينبغي أن يعود على صريح مذكور في الآية السابقة وأنّ كلمة «المجرمين» هي المذكورة في الآية ، يبدو هذا الاحتمال مستبعداً ، والظاهر أنّ الوصف يخص المشفوع لهم.
وعلى هذا الأساس يجب أن تكون هناك علاقة بين الشفيع والمشفوع له قائمة على الإيمان والعمل الصالح ، لأنّ الشفاعة هناك محسوبة ولا تعني مطلقاً التوسط لمن لا يستحق.
جاء في حديث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرّني ومن سَرّني فقد اتّخذ عند الله عهداً» (٢).
__________________
(١). تفسير الميزان ، ج ١٤ ، ذيل الآية ٨٦ من سورة مريم.
(٢). تفسير در المنثور ، (وفقا لنقل تفسير الميزان في الآية مورد البحث.