وتبيّن الآية ١١١ من سورة الاسراء انّهم كانوا يظنّون أنّ أصنامهم أنداداً لله في المالكية والحاكمية على العالم ، وحتى أنّهم كانوا يعتقدون أنّ الأصنام تعين الله في بعض المشاكل : (وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِى لَم يَتَّخِذ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلكِ وَلَم يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبِيراً).
تمثل كل واحد من هذه الجمل الثلاث نفياً لمعتقدات عبدة الأوثان ، الذين كانوا يظنون أنَّ : (الملائكة بنات الله) ، (يرجى الالتفات إلى كلمة الولد تعني كلا المعنيين البنت والولد أي الذكر والانثى) (١) وأنّهم شركاء له في الخلق وأنّهم اعوانه وأولياؤه.
ومن الواضح أنّ هذه المعتقدات لو لم يكن لها وجود في تلك البيئة ، لما كان لهذه التعابير القرآنية أيُّ مفهوم.
وممّا يسترعي الإنتباه أنّ القرآن الكريم وصف عبدة الأوثان ب «المشركين» واعتبر عملهم «شِركاً» ، فلو لم يكونوا يعتقدون بنوع من الشِّركة بين الله والأصنام وكانوا يحسبونها شافعة فقط بين يدي الله ، إذ لما كان هذا التعبير صحيحاً بشأنها ، لأنّ كلمة «الشرك والمشرك» دالتان على أنّهم كانوا يعتبرون الأصنام شركاء لله في الربوبيّة ، وحل المشاكل والخلقة وأمثال ذلك ، «كانت الأصنام الحجرية والخشبية في عقيدتهم رمزاً ومظهراً للصالحين والملائكة).
وبعبارة اخرى كانوا يقولون : إنّ للأصنام نوعاً من الاستقلال في تدبير شؤون العالم ، وبتعبيرهم كانوا يعتبرونها أنداداً لله ، لا مجّرد وسطاء بين يديه.
والتعابير الواردة في الآيات القرآنية المختلفة تكشف لنا عن هذا الموضوع بكل وضوح ، جاء مثلاً في قوله تعالى : (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ). (العنكبوت / ٢٢)
وهذه إشارة لاعتقاد المشركين بأنّ الأصنام أولياؤهم وأنصارهم (من دون الله) ، كما تُصرح بذلك هذه الآية : (وَلَا يُغْنِى عَنهُمْ مَّا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَااتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ
__________________
(١). «الولد» بمعنى المولود وتُطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى والمفرد والجمع (راجع مفردات الراغب).