وتضيف الآية الثانية : (وَإِذَا صُرِفَتْ ابصَارُهُم تِلقَاءَ اصحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَاتَجْعَلْنَا مَعَ القَومِ الظَّالِمِينَ).
تعود الضمائر في هذه الآية (الضميرين في كلمتي «أبصارهم» و «قالوا») ، كما هو الحال في ذيل الآية السابقة ، إلى الفريق الثاني ، بينما يدور الكلام في مطلع الآية الأولى عن الفريق الأول.
وهذا هو فقط الخلاف الظاهر الذي نراه نحن في تفسير هذه الآية ، أي أن نفصل مَرَدَّ هذه الضمائر ، لكن القرائن المتعددة لهذا الخلاف الظاهري موجودة في الآية الاولى ، وكذلك في الآيات اللاحقة ، لأنَّ الرجال الموجودين على الأعراف يعرفون الكل بسيماهم ، ويأمرون هناك وينهون ، ويلومون أهل النّار ، ويرسلون إلى الجنّة من يستحقّها بفضل الله ، هم ليسوا ممن تشملهم جملة : (لَم يَدخُلُوهَا وَهُم يَطمَعُونَ).
وخلاصة القول هي أنّ في هذه الآيات تعابير دالة على وجود رجال ذوي مقام رفيع على الأعراف ، وبيدهم الأمر والنهي. وهم أصحاب المقام الرفيع في معرفة أصحاب الجنّة وأصحاب النّار (حتّى قبل دخولهم فيهما) ، وكذلك توجد تعابير في هذه الآيات تدل على وجود فريق حائر على الأعراف وعليهم آثار القلق البالغ خوفاً على مصيرهم.
فهم طامعون في الجنّة وخائفون من النّار ، وينبيءُ مجموع هذه القرائن عن وجود هذين الفريقين على الأعراف ، ويمكن في ظل هذا التفسير حل جميع المشاكل العالقة في تفسير هذه الآيات.
وتعود الآية الثالثة إلى الفريق الأول مَرّة ثانية فتقول : (وَنَادَى أَصحَابُ الْأَعرَافِ رِجَالاً يَعرِفُونَهُم بِسِيَماهُمْ قَالُوا مَاأَغنَى عَنكُمْ جَمعُكُمْ وَمَاكُنتُمْ تَسْتَكبِرُونَ).
ويعكس هذا اللُّوم والتوبيخ الشديد الصادر من أصحاب الأعراف إلى أصحاب جهنّم أحد المؤشرات الجلِيّة على سموِّ مقامِهم ، فهم يعاقبونهم بسياط الملامة والتعنيف مثلما يفعل الملائكة معهم.
وفي الآية الرابعة يتحدث نفس أصحاب المقامات السامية في الأعراف ، وهم يشيرون