بأيمانهم (صحيح أنّ مادة يمن) و (يمين) مشتقة من أصل واحد ولكن يعني أحدهما الخير واليمن والسعادة ، ويعني الآخر اليد اليمنى التي يرونها مظهراً من مظاهر البركة.
ويعتقد الراغب ـ كما ورد في مفرداته ـ أنّ أساس الكلمتين يحمل نفس مفهوم اليد اليمنى فيرى أنّ الخير واليمن والبركة تحصل بالأفعال التي تنجز بواسطة اليد اليمنى.
فهذه الكلمة جاءت بمعنى الخير والبركة ويقابلها كلمة المشئمة.
«والمشئمة» : مشتقة من (شؤم) وعلى قول صاحب كتاب مقاييس اللغة أنّ المعنى الأصل لهذه الكلمة هو نفس اليد اليسرى وأنّهم يعتقدون بأنّ اليد اليسرى والأعمال التي تنجز بواسطتها إشارة إلى الشر وسوء الحظ .. ولهذا استعملت كلمة شؤم بهذا المعنى وبهذا السياق ، ويكون المراد من (أصحاب الميمنة) و (أصحاب المشئمة) في الأصل نفس معنى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال الذين يؤتون كتبهم إمّا باليمين أو بالشمال ، وبهذا فإنّ تفسير الآية بمجموعة تكون (سعيدة مسرورة) واخرى (شقية تعيسة) بعد المعنى الثاني من معاني الآية الكريمة ، ولقد فسر الفخر الرازي أصحاب الميمنة ب (أصحاب الجنّة) إذ يقول (١) :
هم أصحاب الجنّة وتسميتهم بأصحاب الميمنة إمّا لكونهم من حملة كتبهم بأيمانهم وإمّا لكون أيمانهم تستنير بنور من الله تعالى كما قال تعالى : (يَسعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ). (الحديد / ١٢)
وإمّا لكون اليمين يراد به الدليل على الخير ، والعرب تتفاءل بالسانح وهو الذي يقصد جانب اليمين من الطيور إذ يتفاءلون بها بالخير ، والتي تطير من الشمال ، بالشر.
جملة (ما أصحاب الميمنة وما أصحاب المشئمة) جاءت على صيغة استفهامية ، وهذه إشارة إلى المقام الرفيع جدّاً للطائفة الاولى والمقام الدنيء جدّاً للطائفة الثانية فكان منزلة وبركات الطائفة الاولى من العلو والسمو بحيث تخرج عن مستوى تفكير الإنسان ، وهذا التفسير كناية لطيفة عن هذا المعنى ، على عكس التعبير الثاني الذي هو كناية عن شدّة
__________________
(١). التفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ١٤٢.