لقد ورد نفس هذا المعنى بشيء من الاختلاف (إيتاء كتاب أعمال الأبرار باليمين والفجار بالشمال) في الآية الثانية عشرة من الآيات السالفة الذكر : (فَأَمّا مَن أُوتِىَ كِتابَهُ بيَمِينِه فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَرآءَ ظَهْرِهِ* فَسَوفَ يَدْعُوا ثُبُوراً* وَيَصْلى سَعِيراً).
فذكرت الآيات السابقة أنّ كتاب أعمال الفجار يؤتى بالشمال ، أمّا هذه الآيات فذكرت أنّ كتاب الفجار يوتى (وراء الظهر) ويراد بهذا المعنى أنّ المجرمين عندما يعطون كتبهم بشمائلهم فانّهم ولشدّة حيائهم يجعلون أيديهم وراء ظهورهم حتى تقل رؤية الجمع لهذا السند ، سند الجريمة والفضيحة ، أو لأنّ أيدي الشمال مغلولة وراء ظهورهم فكما أنّهم جعلوا كتاب الله وراء ظهورهم في الحياة الدنيا فهنا تجعل كتب أعمالهم وراء ظهورهم ، أو لكون وجوههم مقلوبة وراء ظهورهم ولأجل رؤية كتب أعمالهم فهم يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم ولا منافاة لأي من هذه المعاني الثلاثة للآية وما ورد في الآيات السابقة.
ما المراد بـ (الأهل) الذي ذكرته الآية الكريمة؟
قيل : إنّ المراد بالأهل هم النساء والأولاد والآخرين من أهل الإيمان الذين يدخلون الجنّة قبلهم ، وقيل : إنّ الأهل هنا إشارة إلى الحور العين ، وقيل : إنّ المقصود بالأهل هم سائر المؤمنين الذين لهم سبق قدم في الجنّة وذلك لأنّ المؤمنين كلهم أهل لبعضهم البعض ، وفي الحقيقة (إنّهم جزء من أُسرة واحدة) ، ونرى أنّ التفسير الأول هو الأنسب بدليل أنّ نفس هذا التعبير ورد في الآية ١٣ من نفس السورة ويراد به الأسرة والزوجة والأولاد والأقرباء ، واتحاد السياق يدلّ على أنّ المعنى واحد.
ولقد قسمت الآية الثالثة عشرة هذا التقسيم (أصحاب اليمين وأصحاب الشمال) بشكل آخر : (فَأَصْحَابُ المَيمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ* وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ).
«الميمنة» : مشتقة من مادة (اليمن) بمعنى السعادة والبركة ، ولقد فسرها البعض وقال : إنّها مأخوذة من مادة (يمين) أي اليد اليمنى ، يقولون : إنّهم الأفراد الذين يعطون كتبهم