في نار جهنّم وتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، ويقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
من هنا يطرح هذا السؤال : لماذا خصت الآية هذه الأعضاء الثلاثة دون غيرها؟
قال البعض : لأنّها تشمل معظم البدن (وإنّما خصت هذه الاعضاء لأنّها تمثل معظم البدن) (١).
وقيل : لأنّ صاحب المال إذا رأى الفقير قبضَ جبهته وزوى يمينه وطوى عنه كشحه وولاه ظهره.
وقيل : إنّ المقصود من كسب الأموال حصول فرح في القلب يظهر أثره في الوجوه ، وحصول شبع ينتفخ بسببه الجنبان ، ولبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم ، فلما طلبوا تزيين هذه الأعضاء الثلاثة ، لا جرم أن حصل الكي على الجباه والجنوب والظهور (٢).
صحيح أنّ هذه الآية لم تذكر صراحة تجسّم الأعمال ، ولكنّها دلّلت على حضور الأموال في عرصات يوم القيامة ، ويمكن أن نعتبر نفس هذا التعبير إشارة إلى مسألة تجسّم الأعمال ، وبالرغم من الزوال والفناء الظاهري لهذه الأموال ولكنها بحكم المعاد سوف تعود وتتجسّد هناك ويحمى عليها في نار جهنّم وتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
ثم يطرح هذا السؤال : ما المراد بالكنز هنا؟ هناك آراء عديدة في الإجابة عنه : فمما لا شكّ فيه أنّ للكنز مفهوماً واسعاً يشمل جميع الأموال النفيسة التي تجمع وتدخر في مكان ما ، فهل يدلّ مفهوم الآية على أنّ حرمة ادّخار جميع الأموال الفائضة عن الحاجة والتي يترتب عليها ماورد في هذه الآية من عقوبات؟ أم أنّ الآية تخصّ الذين يمتنعون من أداء الحقوق الشرعية كالزكاة وغيرها؟ أمّا الذين يؤدّون الحقوق الواجبة فلم تشملهم هذه الآية وماورد فيها من عقوبات؟
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٦.
(٢). لقد ذكر الفخر الرازي ستة أوجه في تفسير هذه الآية ، تفسير الكبير ج ١٦ ص ٤٨ ، وأشار إلى هذا المعنى تفاسير روح البيان ؛ وروح المعاني ؛ والقرطبي.