تدار من قبل من هو أعلم بما يفعلون.
ولقد جاء نفس هذا المعنى في الآية التاسعة : (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَاتُظْلَمُونَ).
وكذلك ورد في الآية العاشرة نفس هذا المعنى أيضاً ولكن بعبارات أكثر عمومية وشمولية : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّاكَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
«ووفيت وتوفى ويوفى» كلّها مشتقّة من مادة (وفا) التي تعني الوصول إلى الكمال و «توفيه» : بمعنى دفع الشيء بصورة كاملة و (توفى) بمعنى أخذ الشيء كاملاً.
ويجب أن نذكر أَنَّ القرآن الكريم يشير في بعض الموارد بقوله : (انَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ). (الزمر / ١٠)
ولكنه يقول في الآيات السابقة وبعض الآيات الاخرى إنّهم يستوفون نفس أعمالهم ، ونحن نقول : إنّه لامنافاة بين الاثنين وذلك للاستفادة من مجموع الآيات الكريمة ، فبالإضافة إلى تعلّق الأجر والجزاء بالأعمال فإنّ أعمال الإنسان تستوفى في ذلك اليوم ، ويمكن أن نشبّه هذه المسألة بالسائق الذي يخالف مقررات المرور فكما أنّه يتعرض لخسارة الاصطدام كذلك يجب عليه دفع الغرامة.
ولقد فسَّر الكثير من المفسِّرين هذه الآيات بأنّها كناية عن أخذ جزاء الأعمال ، لكننا نقول : هذا كلام لا دليل عليه بل وكما لاحظنا أنّ هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة (التي سنشير إليها لاحقاً) تدلّ على تجسّم وحضور أعمال الإنسان يوم القيامة ، لذا فنحن ندع الآيات ومعناها الظاهري.
وعلى هذا الأساس نتناول بحث تجسّم الأعمال كما فعل ذلك جمع من أهل التحقيق والتفسير والحديث.
وفي الآية الحادية عشرة إشارة إلى الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ، وكذلك إشار إلى العذاب الأليم الذي ينتظر هؤلاء ، فتذكر هذه الآية بوضوح الدراهم والدنانير التي اكتنزوها ولم ينفقوها في سبيل الله فسوف يؤتى بها يوم القيامة ويحمى عليها